الحلقة الأولى
تراثنا – د. محمد بن إبراهيم الشيباني * :
أَقدَم المؤلفات أو المعاجم في تاريخ مكة تبدأ من مولفات محمد بن عمر الواقدي (130 -307 هجري) وعلي بن المدائني ( 135 0 325هجري)، ثم محمد بن عبدالله الأزرقي (نحو عام 250هجري) والزبير بن بكار (172-256هجري) وعمر بن شبة ( 172 – 266هجري) ومحمد بن اسحاق الفاكهي ( نحو 280 هجري).
وهذه المؤلفات متصلة بعضها ببعض ، وهي قريبة في أزمنتها ، لكن لم يصلنا منها غير كتابي الأزرقي والفاكهي ، ولسنا هنا بصدد الكلام على هذه الكتب ومخطوطاتها ، وإنما مرادي شيء واحد ، وهو ما امتاز بن كتاب الأرزقي من ذكر السيول التي مرت بمكة المكرمة من الجاهلية حتى بداية الإسلام ،
وما أكمله بعده العلماء مثل الخزاعي والفاكهي على سبيل الحصر ، ثم ما ألحقة إبراهيم رفعت في كتابه (مرآة الحرمين) ، ثم المؤرخ صالح محمد جمال على كتاب الأزرقي المطبوع عام (1385 هجري – 1965م) ،و إلى العهد السعودي (زمن الملك سعود بن عبدالعزيز) ، ثم ما أورده العلامة محمد طاهر الكردي الخطاط المكي في كتابه (التاريخ القويم لمكة بيت الله الكريم) ، وهو يقع في ستة مجلدات ضخام من القطع الكبير ، وهو من الكتب النادرة في العصر الحديث في تاريخ مكة حتى اليوم .
وقد زدت على ما ذكره الكردي من مصادر أخرى حتى اكتمل البحث في رأيي في هذا الموضوع ، حتى تظهر لنا مخطوطات أو تحقيقات جديدة تضيف إلى ما ذكرناه ، ومن الله نستمد العون :
وفي هذا الصدد ، فإن مكة شرفها الله ، واقعة في واد تحف به الجبال من كل جانب ، فإذا نزلت الأمطار عليها بشدة نزلت المياه من جميع الجبال ، ومن المرتفعات وغيرها إلى المواضع المنخفضة ، بمكة ، فتجمعت في أزقتها وشوارعها ، ونزلت مع المياه من الجبال والأماكن الحجارة والأتربة ، وإذا زادت الأمطار في ضواحيها جاءت السيول من أعاليها من جهة منى إلى داخل مكة ، وجرفت معها ما كان في طريقها ،فتدخل المسجد الحرام ، فتحدث به أضراراً كثيرة ، كما تحدث أضرارا في بيوت مكة القديمة .
سد عمر بن الخطاب
لذلك كانوا يعملون سدوداً من قديم الزمان ، كسد عمر -رضي الله عنه – وما عمله من الردم عند المدعى ، حيث كانت الكعبة تُرى من هذا الموضع لعلوه ، وذلك صوناً للمسجد الحرام من دخول السيل ، فتحول مجرى السيل بسبب ذلك إلى وادي إبراهيم ، بعد أن السيل ينحدر من المدعى إلى المسعى ، من ناحية المروة ، وكان ذلك سنة 17 هجرية ، بعد انتهائه من وضع مقام إبراهيم عليه السلام ، في موضعه ، وبعد انتهائه أيضا من عمارة المسجد الحرام ،والزيادة عليه .
ولقد كان سد عمر – رضي الله عنه – سداً عظيماً محكماً بناه بالضفائر والصخور والعظام ، وكبسه بالتراب ، فلم يعله سيل بعد ذلك مدة مئتي سنة تقريباً ، ويسمى هذا الردم ردم ” بني جمح ” وقد كان في هذا الموضع وهذا الردم هو أول سد عمل في مكة المكرمة .
قال المؤرخ الأزرقي في تاريخه : وكل واد في الحرم فهو يسيل في الحل ، و لايسيل من الحل ، إلا في موضع واحد عند التنعيم عند بيوت غفار .
يتبع لاحقاً : السيول من عصر الجاهلية إلى العصر الحديث.
نقلا عن تراثنا – العدد 44
تواصل مع تراثنا