مقتطفات من ( حراسة الفضيلة )
شرارة التغرب في البلاد العربية والإسلامية
تراثنا – التحرير :
كل ما نشاهده من تداعيات متوالية من تنازلات عن الهوية الإسلامية ، بدءاً من دعوات حرق الحجاب والعباءة ،مروراً بالإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه ، إلى المساواة بين الأديان السماوية ، تحت مظلة البيت الإبراهيمي ،
بدأت هذه المتتاليات الطوام العظام ، بمقدمة سقوط الدولة العثمانية ، ودخول الإستعمار الغربي لبلادنا ، وفرض ثقافته ومفاهيمه عن فساد الكنيسة وكهانها ، وعدوا الإسلام كغيره، في مفهوم الكنيسة وافسادهم.. وتجاهلوا عمدا أو جهلاً ، ان الإسلام ان فيه علماء ،وليس رجال دين (كهنوت) ، يختص بهم أمر الدين دون غيرهم ، بل كل مسلم داعية لدينه بما تعلمه ، هو ( حارس للعقيدة ) من موقعه ، وملزم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !
د. بكر أبوزيد :
-
وُلدت دعوة حرية المرأة والمساواة مع الرجل في فرنسة الصليبية التي كانت ترى في المرأة المعاصي ومكمن الفجور .
-
المواقف الكهنوتية المتطرفة في الغرب وراء ثورة دعاة التحرر عليها بدعوى عدم توافق العلم والدين..فكان النقيض الإباحية والتهتك .
-
في آخر النصف الأول من القرن 14 الهجري سعى المستعمر الغربي في بلاد المسلمين إلى رمي الشبهات لتحويل الشعوب من صبغة الإسلام إلى الإنحلال .
-
تصدى بعض النصاري أمثال مرقس فهمي وشبلي شميل وفرح انطون والكنيسة المصرية ومجلة (السفور) إلى مؤازرة وتأييد سفور المرأة المسلمة !!
-
سار على خطى النصارى كلٌ من طه حسين وقاسم أمين وأحمد لطفي السيد وسعد زغلول وأخوه أحمد وصفية زغلول وهدى شعراوي وغيرهم في تغريب المرأة المسلمة.
وللأسف .. تلقف هذه المفاهيم المشوشة انصاف المثقفين في دينهم المبهورين بالغرب ، فجعلوا هذه المباني أطار مرجعي ، طبقوه على الإسلام ، فعزلوه عن الحياة ، دون الاحاطة بشرائعه وعقيدته وتاريخه الحقيقي ، المخالف جملة وتفصيلا ، لخرافات النصرانية واليهودية المحرفة .
السطور التالية ، يتم اقتطافها من كتاب ( حراسة الفضيلة ) من تأليف د . بكر بن عبدالله ابوزيد ” يرحمه الله ” حيث قدم فيه مقدمات ، توضح مكانة المرأة في الإسلام ، وحقوقها التي كفلتها لها الشريعة في مختلف الميادين، في بناء الأمة الإسلامية ، مما يجعلها متقدمة على دعاة التحرر أنفسهم .. باشواط بعيدة .
نظريتي الحرية والمساواة
وتحت عنوان ( تاريخ نظريتي “الحرية والمساواة ” وأثارهما التدميرية في العالم الإسلامي) ،يقدم المؤلف د . ابوزيد شرحاً مسهباً ، يوضح بداية الانحراف ، وبدء شرارة التغريب عن الهوية الإسلامية ، نقتطف منه ” بتصرف ” جوانب من فقراتها :
الأمر الأول : في تاريخ هاتين النظريتين : ( الحرية والمساواة ) وآثارهما التدميرية في العالم الإسلامي :
تحت العنوان السابق ، يقول المؤلف د . بكر عبدالله أبو زيد – يرحمه الله : ” ليُعلم أن النداء بتحرير المرأة ، تحت هاتين النظريتين ، ” حرية المرأة ” و ” مساواة المرأة بالرجل ” إنما ولدتا على أرض أوربة النصرانية في فرنسة، التي كانت ترى أن “المرأة ” مصدر المعاصي ، ومكمن السيئات والفجور ، فهي جنس نجس يجتنب ، ويحبط الأعمال ، حتى ولو كان أماً أو أختاً ” .
-
رهبان الكنيسة مكمن القذارة في الجسد والروح ومجمع الجرائم الأخلاقية واختطاف الأطفال وتربيتهم رهبانا حاقدين .
موقف الرهبان المعادي للمرأة
ويفيد : ” هكذا نشر رهبان النصارى في أوربة هذا الموقف المعادي المتوتر من المرأة ، بينما كانوا – اي أولاء الرهبان – مكمن القذارة في الجسد والروح ، ومجمع الجرائم الأخلاقية ، رجال الاختطاف للأطفال ، لتربيتهم في الكنائس ، وإخراجهم رهباناً حاقدين ، حتى تكاثر عدد الرهبان ، وكونوا جمعاً مهولاً أمام الحكومات والرعايا “.
فصل الكنيسة عن المجتمع
ويستمر المؤلف بالقول: “من هذه المواقف الكهنوتية الغالية الجافية ، صار الناس في توتر وكبت شديدين ، حتى تولدت من ردود الفعل لديهم ، هاتان النظريتان ، المناداة بتحرير المرأة باسم ” حرية الرأة ” وباسم “المساواة والرجل “وشعارهما رفض كل شيء له صلة بالكنيسة وبرجال الدين الكنسي “.
وأضاف :” وتضاعفت ردود الفعل ، ونادوا بأن الدين والعلم لا يتفقان ، وأن العقل والدين نقيضان ، وبالغوا في الندآآت للحرية المتطرفة الرامية إلى الإباحية ، والتحلل من أي قيد أو ضابط فطري أو ديني يمس الحرية ، حتى طغت هذه المناداة بحرية المرأة بمساواتها بالرجل بإلغاء جميع الفوارق بينهما وتحطيمها ، دينية كانت أم اجتماعية ” .
مصدر الوباء
مشيراً إلى أنه في المحصلة :” فكل رجل ، وكل أمرأة ، حرٌ بفعل ما يشاء ، ويترك ما يشاء ، لا سلطان عليه من الدين ، ولا أدب ولا خلق ولا سلطة ، حتى وصلت أوربة ،ومن ورائها الأميركتان وغيرهما من بلاد الكفر إلى هذه الأباحية ، والتهتك والإخلال بناموس الحياة ، وصاروا مصدر الوباء الأخلاقي للعالم” .
الاستعمار وبلاد المسلمين
ويحلل الشيخ د .بكر أبو زيد بداية انطلاق هذه الدعوة التي وصمها بالمشؤومة إلى بلاد العرب والإسلام فيقول :” تقدم أن نساء المؤمنين كن محجبات ، غير سافرات الوجوه ، ولا حاسرات الأبدان ، ولا كاشفات عن زينة منذ عصر النبي عليه الصلاة والسلام ، إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري” .
ويستطرد :” وأنه على مشارف انحلال الدولة الإسلامية (1) في آخر النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري ،وتوزعها إلى دول ، دب الاستعمار الغربي الكافر لبلاد المسلمين واخذوا يرمون في وجوههم بالشبه ،والعمل على تحويل الرعيات من صبغة الإسلام إلى صبغة الكفر والانحلال” .
الشرارة الأولى
وعن اول شرارة انطلقت ، وكانت بدايتها الدعوة إلى سفور النساء عن وجوههن على أرض الكنانة في مصر ،فيقول د . أبو زيد ” يرحمه الله ” : ” بعث والي مصر محمد علي باشا البعوث إلى فرنسة للتعلم ، وكان فيهم واعظ البعوث : رفاعة رافع الطهطاوي المتوفي سنة 1290هجري ، وبعد عودته إلى مصر ، بذر البذرة الأولى للدعوة إلى تحرير المرأة ، ثم تتابع على هذا العمل عدد من المفتونين المستغربين ، ومن الكفرة النصاري منهم :
- الصليبي النصراني مرقس فهمي، (ت . 1374 هجري) ، في كتابه (المرأة في الشرق ) الذي هدف إلى نزع الحجاب وإباحة الاختلاط .
- وأحمد لطفي السيد ، ( ت . 1382 هجري) ، وهو أول من أدخل الفتيات المصريات في جامعات مختلطات بالطلاب ، سافرات الوجوه ، لأول مرة في مصر ، ويناصره في هذا عميد التغريب ، طه حسين ، (ت . 1393 هجري ).
- قاسم أمين ، (ت. 1326 هجري) ، الذي تولى كبر هذه الفتنة ، الذي ألف كتابه ” تحرير المرأة ” وقد صدرت ضده معارضات العلماء ، وحكم بعضهم بردته ، بمصر والشام ،والعراق ، ثم حصلت له أحوال ألف على إثرها كتابه ” المرأة الجديدة ” أي تحويل المسلمة إلى أوربية .
- الأميرة نازلي مصطفى فاضل من البلاط الملكي ، التي ساعدت على هذا التوجة ، وقد تنصرت وارتدت عن الإسلام .
- سعد زغلول (ت. 1346 هجرية) ، وشقيقه أحمد فتحي زغلول(ت. سنة 1332هجري ) ، منفذا فكر قاسم أمين داعية السفور (ت .1346 هجري ) .
الحجاب والحركة النسائية
-
سعد زغلول يبادر فور نزوله من الطائرة بنزع حجاب زوجته صفية التي تستقبله بالمطار فصفق الجميع ..ونزعن النسوة حجابهن !
ويمضي د . بكر أبوزيد ” يرحمه الله ” في ذكر تفاصيل بداية التغريب في الوطن العربي ،منوها بظهور الحركة النسائية لتحرير المرأة بمصر عام 1919م ، برئاسة هدى شعراوي (ت. 1367هجري) ، وكان أول اجتماع لهن في الكنيسة المرقصية عام 1920 م (2) ، وكانت أول مصرية مسلمة تنزع الحجاب ، وذكر د أبو زيد تفاصيل عن واقعة نزعها الحجاب ، مشيراً إلى تجمهرها مع نساء محجبات في سرادق النساء ، في استقبال عودة زوجها سعد زغلول في المطار عائداً من بريطانية، فبادر فور وصوله إلى السرادق ونزع حجاب زوجته هدى ، فصفق الجميع ونزعن البقية الحجاب !!
-
صفية زغلول تقود مظاهرة نسائية للأعلان عن تحررهن من ربقة الحجاب بحرقه والدوس عليه بالأقدام في ميدان سُمى ميدان التحرير !
التنازل عن حريتها للرجل !
وتكرر المشهد التغريبي ، وفيه مفارقة عجيبة ، حيث تتنازل المرأة فيه عن ذاتها وتكريم الله لها ، وتفضل عبودية الرجل ! حين اقدم سعد زغلول على تغيير مسمى زوجته من صفية بنت مصطفي فهمي ، إلى صفية هانم سعد زغلول ، على طريقة الأوربيين ، في نسبة زوجاتهم إليهم (3) ، وقد نظمت صفية مظاهرة نسائية في القاهرة أمام قصر النيل ، فخلعن الحجاب، ودُسنه تحت الأقدام ، ثم أشعلن به النار ، ولذا سمي هذا الميدان باسم ” ميدان التحرير “.
دعاة للتغريب
ونوه المؤلف بدور شخصيات عدة أعلام في الدعوة إلى التغريب، منهم : إحسان عبد القدوس ومصطفي أمين ، ونجيب محفوظ ، ومن النصاري شبلي شميل ،وفرح انطون ، ومجلة (السفور ) التي صدرت نحو سنة 1900 م ،وتمجيدها لرائدات المنحى التغريبي في المجتمع بمصر ، وهي موثقة في كتاب “المؤامرة على المرأة المسلمة ” للأستاذ احمد فرج ، وفي كتاب ” عودة الحجاب ج1″ للشيخ محمد بن أحمد إسماعيل ” يرحمهما الله ” ..
التغريبيون في العالم الإسلامي
-
زعماء أمروا بنزع الحجاب في بلادهم على رأسهم أتاتورك في تركية وأبورقيبة في تونس ورضا بهلوي في إيران وأحمد زوغوا في ألبانية . .
ويمضي إلى القول عن دعوة التغريب في العالم الإسلامي : ” ثم أخذت تدب في العالم الإسلامي في ظرف سنوات قلائل ، كالنار الموقدة في الهشيم ، حتي صدرت القوانين الملزمة بالسفور :
- ففي تركية : أصدر الملحد أتاتورك قانونا بنزع الحجاب سنة 1920 .
- وفي أيران : أصدر رضا بهلوي قانوناً بنزع الحجاب سنة 1962 .
- وفي أفغانستان : أصدر محمد أمان قراراً بإلغاء الحجاب .
- وفي ألبانية أصدر أحمد زوغوا قانوناً بإلغاء الحجاب .
- وفي تونس : اصدر ابورقيبة قانوناً يمنع الحجاب وتجريم تعدد الزوجات ، ومن فعل ذلك فيعاقب بالسجن وغرامة مالية !!
- وفي العراق : تولى كبر هذه القضية المناداة بنزع الحجاب الزهاوي والرصافي .
- وكذا في الجزائر ، وفي المغرب الأقصى ، وفي الشام بأقسامة الأربعة ( لبنان ، سورية ، الأردن ، وفلسطين ) .
- وفي الهند والباكستان..وغيرهما ..
-
من أقوال الصحابة : عمر بن الخطاب ردا على القائل له اتق الله . : ” لا خير فيكم أن لم تقولوها ولا خير فينا إذا لن نقبلها ” .
نهي العلماء والتصدي للمنكر
وفي ختام بحثه القيم يسوق د . بكر عبدالله أبوزيد – يرحمه الله – أقوال عدة واستشهادات لعلماء في أشاعة اجواء الفساد ، ومنها نقلا عن الحافظ ابن رجب في ( الحِكَم الجدير بالإذاعة ص 43 )روى الأمام أحمد أنه قيل له : إن عبدالوهاب الوراق ينكر كذا وكذا ، فقال : لا نزال بخير ما دام فينا من ينكر ” . ومن هذا الباب قول عمر لمن قال له : اتق الله يا أمير المؤمنين ، فقال : ” لا خير فيكم إن لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم ) .
ويختم د أبو زيد ” يرحمه الله ” بحثه القيم : ” ما يتذكر ( إلا ألوا الألباب ) و الله يتولى الجزاء والحساب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ” .
هذا الكتاب
كتاب (حراسة الفضيلة ) تأليف الشيخ د . بكر بن عبدالله أبوزيد ،الطبعة الثالثة (14212 هجرية – 2000 م ) نشر وتوزيع دار العاصمة في الرياض – المملكة العربية السعودية ، يقع الكتاب في 200 صفحة من الحجم الصغير ، ( نسخة وقف لله ) من مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق – الكويت .
هامش
* مقتطفات من ص ( 165 -182) كتاب (حراسة الفضيلة ) د . بكر أبو زيد.
1- دولة الخلافة العثمانية
2- تنطلق في غالب الأحيان مطالبات التحرر ، والانفلات من شرائع الإسلام بتأييد وتبنى الكنائس لها واستضافتها وتأييدها ومثلها محافل الماسونية وغيرها !!
3- يلاحظ هنا ، المفارقة العجيبة وانطماس البصيرة ، والانبهار بالغرب لدرجة التقليد في الانتساب طواعية لتملك الرجل لها ، بالتخلي عن نسبها الحقيقي ، في اطار تحرر المرأة من عبودية الرجل !!