لوحته الأخيرة “الفجر الحزين” أنبأت بقرب الفراق
تراثنا – التحرير :
وُلد محمد إبراهيم جاسم الدمخي (1) في صبيحة الأثنين (10 صفر 1362هجرية /الموافق 15 فبراير 1942م) في فريج عبدالله بن عساف بالقبلة – الجزء الغربي من مدينة الكويت القديمة ، من أسرة بسيطة من أهالي الكويت الطيبين الممتلئين بمخافة الله .
هكذا جاء عرًّف الفنان التشكليي عبدالرسول السلمان (2) في كتابه ( الفنان التشكيلي محمد الدمخي ،حياته وأعماله ، 1943-1967م) .
-
نمت موهبة الرسم عند الدمخي في الصغر فأخذ يخطط ويشخبط على جدران منزله ومنازل أقاربه وعلى صفحات الورق .
-
درس القرآن والكتابة عند المطوع فنشأ متسامحاًً خلوقاً ، لا يفوت صلاة ولا صوم منذ صغره رغم شدة الحر في تلك الأيام .
-
كان متميزاً ومتفوقاً منذ صغره لدرجة أن مدرس الرسم كان يستأثره بالألوان المائية والزيتية عن بقية أقرانه الطلاب !
-
استيقظ ليلاً على نحو مفاجيء ،وشرع في تخطيط لوحة باللون الأسود أظهر فيها شجرة ونعشاً وبعدها بثلاثة أيام فارق الحياة !
الدراسة في الكتاتيب
ويوضح بأن الدمخي ترعرع ودرس عند المطوع ” شيخ الدين ” كعادة أبناء الكويت القدماء ،فتلقى قراءة القرآن الكريم والكتابة ، منوهاً إلى انه من ذلك الحين نمت معه موهبة الرسم ، فأخذ يخطط ويرسم على الجدران في منزله ومنازل أقاربه ، وفي صفحات الورق ، يرسم ما أوحت له أحاسيس الطفولة ، وما أوحت به مشاعره إذ ذاك ..
ويستطرد بأن الدمخي التحق بالمدرسة الأحمدية الابتدائية في سن الثالثة عشرة ،ولتفوقه في الفصل الرابع الابتدائي ، انتقل إلى المدرسة المتوسطة ( الاحمدي المتوسطة) ، نظرا لالتحاق والده بإحدى شركات النفط هناك بعد أن كان يعمل (سيباً) (3) مع النوخذة ( سالم بوقماز).
الاستقرار في المقوع
وظلت الأسرة تتنقل من مكان لآخر من أجل العيش ، حتى استقرت في منطقة المقوع (4)، هي قرية يقطنها عمال شركات النفط وتتكون بيوتها من العشيش .
وكان الدمخي – كما يصفه السلمان – طيباً متسامحاً خلوقاً لا يفوته فرض ، ويصوم رمضان رغم شدة الحر في تلك الأيام ، وكان ولوعاً بصيد الطيور، وتسلق شجرة ” السدر” للوصول إلى ثمرة “الكنار ” ، وله مساهمة فعالة في انشطة المدرسة من رحلات ومعارض وحفلات ،
الألوان الزيتية للدمخي فقط !
لقد كان منذ صغره رساما بارزاً ، وكان متميزاً على بقية اقرانه ، لدرجة أن مدرس الرسم كان يعطيه الألوان المائية والزيتية التي يحرم منها بقية الطلاب ، لانهم لا يحسنوا استخدامها ! فشجع استاذته في الاستمرار بالرسم والتعبير بالريشه لنبوغه ،و على رأسهم استاذه داود الجاعوني مدرس التربية الفنية .
مشاركات مسرحية
وعن مشاركاته في انشطة أخرى ، يقول الفنان الراحل كنعان حمد – يرحمه الله – شاركت الدمخي في أول مسرحية في حياتي هي (مسرحية عمرو العجوز) وهي الفصة المعروفة عن كرم عمر بن الخطاب رضي الله ، وكان الدمخي يقوم بدور الأم العجوز .
وقد برز في اداء دوره ، وكان من بطولته .. وكنت – حمد كنعان – أمثل دور أحد الأطفال بالنسبة للأم ، ولم أقل إلا جملة بسيطة هي ( أمي .. أمي أرحمي مني الضلوع ) ، مشيراً إلى سرعة حفظ الدمخي لدوره وبديهته ، ومشاركته في فريق الكشافة المدرسية والمخيم الكشفي السنوي الذي تقيمة وزارة التربية بالفنيطيس .
السكن في السالمية
وينقل السلمان عن الدمخي عودة الأسرة في عام 1958م للسكن في السالمية بالقرب من شاطيء البحر ، وذلك نتيجة لالتحاق والده بالعمل بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل ،حيث استمر فيها حتى أحيل إلى التقاعد.
وعلى مقاعد الدراسة في مدرسة حولي المتوسطة ، تعرف على إبراهيم ابداح الذي تصادق معه ، ولازمه اكثر ايامه وتشاركا هوايات الحداق وركب القوارب وتبادل الحديث .
وفي عام 1961 انتقل محمد الدمخي – يرحمه الله- إلى ثانوية الشويخ ،واختير من الطلبة المتفوقين لزيارة دول الخليج .
مشاركات في معارض فنية
تأثر فنه بطبعية البيئة الكويتية (براً وبحراً) ، وظهر ذلك واضحا في رسوماته التي شارك فيه مثل :
* أول معرض أقيم في الكويت في مسابقة البطولة العربية ، في ديسمبر 1958 م، في ثانوية الشويخ ونال شهادة شكر وتقدير من مدير ادارة المعارف أنذاك الاستاذ عبدالعزيز حسين وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء .
- المشاركة في معارض الربيع السنوية التي أقيمت في المدرسة المباركية ابتداء من المعرض الثالث عام 1961 بصالة المدرسة المباركية حتى المعرض التاسع عام 1967 م ،بدون انقطاع .
- المشاركة في معرض الفنانيين التشكيليين الكويتيين في نيويورك عام 1963 .
- معرض الفنانيين التشكيليين الكويتيين في واشطن عام 1963 .
- المشاركة في معارض متنقلة في بعض الدول الأوربية عام 1970.
الدراسة في كلية الفنون الجميلة
وفي عام 1965/1966 م حصل على الثانوية العامة ، والتحق مبعوثاً إلى كلية الفنون الجميلة في القاهرة ، يقول عنه يوسف الدعيج الذي زامله في مصر ،: قابلته وهو حالة قلق وبحث دائم عن مكان أفضل ، يستطيع ان يعيش فيه بهدوء ، وبمارس فنه ، فأخذت بيده ، واسكنته معي في حجرتي بشقة في العجوزة ، حيث توطدت العلاقات بيننا ، ومعنا الزملاء رياض النفيسي و عبدالمحسن الحنيف .
وقد شارك الدمخي بلوحاته في معارض اتحاد الطلبة السنوية في القاهرة .
عودة للكويت
بعد سنتين في القاهرة ، عاد محمد الدمخي إلى الكويت لقضاء عطلة الصيف بين أسرته المكونة من أب وأم وبنات ثلاث ، ثم عاد ليكمل مشواره الدراسي في كلية الفنون الجميلة في القاهرة ،
لوحة غير قابلة للبيع
يقول يوسف الدعيج : في أحدى أيام رمضان المبارك عام 1386 ، وعندما كنت عائدأ إلى شقتي ، لاحظت أن محمد الدمخي قد قفز من نومه على أثر فتحه الباب ، وبسرعة امسك بيده القلم ، وشرع في تخطيط لوحة باللون الأسود أظهر فيها شجرة ونعشا !..وسماها لوحة ( الفجر الحزين ) !
وعندما سألته عن الدافع الذي جعله يرسمها ؟ أحاب : لا أدري مالذي دفعني إلى رسم هذه اللوحة أكثر من أنني أعبر فيها عن نهاية الإنسان في الشجرة العاتية ،فإن نهاية هذه الشجرة مثل نهاية هذا الإنسان .
الوفاة
ويستطرد الدعيج وفي المعرض ، كانت لوحته ( الفجر الحزين ) المشاركة في معارض اتحاد الطلبة في القاهرة ، من أقوى و ابرز لوحاته بما تحمل من مضامين انسانية صادقة ، وانفعالات جياشة ، مما حدا بالكثيرين إلى محاولة شرائها واقتنائها ، وبرفض الدمخي بيعها .
وفي اثناء المعرض ، أصيب الدمخي بنزلة شعبية ادخل على اثرها المستشفي ( الانجلو الأمريكي) بالجزيرة ، وبعد ثلاثة أيام توفاه الله على سرير المرض – يرحمه الله – في الساعة الواحدة من مساء 8 ابريل 1967 م بين لفيف من بني وطنه المحبين له .
طالع : قصيدة رثاء الشاعر عبدالعزيز العندليب للفنان محمد الدمخي
انتقاءات من ابداعات التشكيلي الدمخي
أعماله في المتحف الوطني
الجدير بالذكر أن المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب اقتنى جميع أعمال الفنان الفقيد محمد إبراهيم الدمخي في عام 1978م ، وبغرض وضعها في جناح خاص في متحف الكويت الوطني .
كاتب وكتاب
أعماله في المتحف الوطني
كتاب ( الفنان التشكيلي محمد الدمخي حياته وأعماله – 1943-1967م) تأليف الفنان التشكيلي عبدالرسول السلمان – طبع عام 1979م يقع في 121 صفحة من الحجم الوسط ، موثق بالصور ، من مقتنيات مركز المخطوطات والتراث والوثائق .
إهداء المؤلف
هامش :
1- الدمخي : من الدموخ الدواسر .
2- عبدالرسول السلمان : رئيس الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية منذ العام 2004. ورئيـس اتحاد جمعيات الفنون التشكيلية الخليجية، ونائـب رئـيس الرابطة الدولية للفنون.
3- السيب :هي مهنة يقوم بها من يساعد الغواص في النزول إلى القاع والخروج .
4-المقوع : تبعد 25 كم جنوب الكويت ، و 9 كم شمال مدينة الأحمدي .