• Post published:11/01/2021

 

الحلقة 2

قضاء الوقت عند البدو 

 

الجمال والخيام واهل البادية في صحاري جزيرة العرب
الجمال والخيام واهل البادية في صحاري جزيرة العرب

 

تراثنا – بقلم المؤرخ صالح هواش المسلط :

 

صالح هواش المسلط
صالح المسلط

لأهل البادية فنونهم وتراثهم وآدابهم ، تنوعت وتعددت ، بتنوع المواقع التي سكنوها في الفيافي والصحاري ، وبدأت هذه المظاهر بالتلاشي في القرن العشرين بتوقف الغزو ،والاتجاه إلى العمل في وظائف الدولة وغيرها ،فلم يبقى غير التعيش على فنون الماضي وذكرياته ( حلقات الدراسة) .

 

يتعاطى البدو في مجالسهم قهوة البن ، وهم يجيدون طبخها لفراغهم وتوفرهم على معالجتها ، وقد يستغني البدو عن الأكل ، أو يقلل منه كثيراً ، ولكنه لا يستغني بحال عن تعاطي القهوة في كل ساعة ، فالقهوة نقله وحلواؤه وشرابه المنعش ، وقد يصرف أحدهم ثمن بن في السنة أكثر مما يصرف على طعامه ولباسه ، وأحب الهدايا إلى قلب البدوي أن تحمل إليه مقداراً من البن(*) .

 

 

ارتشاف القهوة وفق عادات وتقاليد اهل البادية الأصيلة
ارتشاف القهوة  او الامتناع عنها له دلالات واشارات يعرفها أهل البادية 

آداب شرب القهوة في البادية 

  • قد يصرف البدوي على ثمن البن في السنة أكثر مما يصرفه على طعامه وشرابه .. وهي أحب الهدايا إلى قلبه .

  • دق القهوة في النجر له صنعة خاصة ، تحدث رنات مختلفة شجية ، حسبما يكون الضرب في قاع النجر أو في حوافيه .

  • امتناع الضيف عن شرب القهوة قد يعني شر أو حاجة يطلب قضاءها فإذا قُضيت له شرب قهوتهم دلالة الرضى .

  • يشرب طباخ القهوة منها أمام ناضري الضيوف ليعلم الحاضرين أنها ليست مسمومة ..!!

  • يشرع تدوير القهوة على الحاضرين ، في الدورة الأولى إسقاء القهوة للضيوف المميزين والثانية بدءاَ من اليمين دون تمييز .

 

أدوات القهوة

 

صول السنع في تقديم القهوة الاماراتية
أصول السنع في تقديم القهوة الاماراتية

 

فمن أدوات القهوة عند البدو (على اختلاف التسميات في البلدان العربية ) :

 

النجر

 

وهو جرن القهوة ، ويكون في الغالب من خشب البطم ، أو الزيتون المشغول من النحاس الأصفر ، وحجم النجر يختلف ، فقد يبلغ علوه أحيانا 3- – 50 سم ، وكذا قطره .

 

المهباج

 

وهي الأداة التي يدق بها البن في النجر ، واستعمال المهباج ودق القهوة في النجر له صنعة خاصة ، تحدث رنات مختلفة شجية ، حسبما يكون الضرب في قاع النجر أو في حوافيه .

 

صناع القهوة

 

ولصنعة دق القهوة أناس خاصون ، واكثرهم حذاقة بذلك هم العبيد ، خدم كبار الرؤساء المكلفون بطبخ القهوة وتقديمها ، ودقات النجر وسماعها من علائم الاجتماع ودلائل الجود والكرم لمن يحدثها لديه .

 

الدِلال

 

وهي من أدوات صنع القهوة عندهم ، والدلال جمع دلة ، وهي من النحاس الأصفر ، وكبيرتها تدعى ( مفورة ) من التفوير ، والصغرى ( مصب ) .

 

النقرة

 

تحتوي النقرة دائما قليلا من الضرم ، فإذا اردوا ايقادها ألقوا فيها من القش أو العشب اليابس أو بعر الأبل المجفف ، وهووها بطرف العباءة ، وكلما شبت النار ودامت في البيت دلت على كرم صاحبه وجوده ، ويضعون فوق الجمرات عدة دلال من النحاس الأصفر ملآنة بالماء كما يضعون فوق اللهب” داخن ” دائمة محمصة من الحديد ذات مقبض طويل يحمصون فيه كمية من البن الأخضر .

 

الكرم والجود العربي تتصدره دلة القهوة والفناجين والتمر
الكرم والجود العربي تتصدره دلة القهوة والفناجين والتمر

تقليب القهوة

 

وهذا العمل يقوم به أخو الضيف أو أحد أولاده أو أحد عبيده ، والقائم بهذا العمل يقلب بدقة متناهية الحبات المحمصة بواسطة ” مطنة ” إلى أن تحمر الحبات وتسود وتتدخن قليلاً ، ثم توضع داخل النجر ، وتدق بالمهباج إلى أن تُسحق وتُنعم .

 

المفورة

 

ودقيق البن الذي يحصل يوضع في دلة خاصة تدعي المفورة ذات ماء غال ، فينقع فيه ويغلي .

 

قهوة غير مسمومة !

 

ويتناول طابخ القهوة كيساً معلقا في زناره ، ويستخرج منه بضع حبات من (الهيل ) فيدقها ويضعها في المصب ، ويسكب فوقه البن المغلي في المفورة ويضع على فم المصب من الليف أو مصفاة معدنية ذات ثقوب لتصفية السائل ، ومنع مرور الثفل والرمل .

 

فإذا انتهى من طبخ القهوة على هذا النحو يذوق الطابخ قليلاً منها ، ليمتحن جودتها ونكهتها ، وليعلم الحاضرين أن ليس في الفناجين المقدمة إليهم أي أثر للسموم .

 

آداب تقديم القهوة

 

ثم يشرع بتدوير القهوة على الحاضرين ، ومن عاداتهم في الدورة الأولى إسقاء القهوة للضيوف الممتازين ، وفي الثانية يدورون بها من اليمين دون تمييز ، ومنها قولهم ( أول القهوة خص وثانيها قص ) .

والكمية المقدمة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات مكعبة في كل فنجان ، إلا أنهم يشربون منها بضعة مرات متتالية .

 

 

البادية وأهل الصحراء
البادية وأهل الصحراء

 

الرفض علامة شر

 

ويمكن للزائر أن يرفض الفنجان الثاني ، أما رفض الفنجان الأول فلا يجوز ، ويحسب إهانة عظيمة أو إنذار بشر أو عرض حاجة يراد قضاؤها فتقضى حتما ، لكي يشرب الضيف القهوة بهناء .

 

وهم لا يبرحون يصبون ويناولون حتى يهز الضيف الفنجان بيده ، ورب البيت هو آخر من تقدم إليه القهوة في الدورة ، وهذه القهوة مرة ، لأنها محرومة من السكر ، والهيل ينفحها نكهة ذات حموضة وحلاوة معا.

 

يتبع لاحقا..

 

(*) : مقالة نُشرت في مجلة تراثنا العدد 41 الصادر في ربيع الثاني،جمادي الأول ( 1431هجرية – إبريل، مايو 2010 م ) .

 

طالع الحلقة السابقة ( الأولى ) : قضاء الوقت واللهو عند البدو

 

 

اترك تعليقاً