الجزء الأول
صفحات زمنية مضيئة لم تطويها السنون رغم تقادمها
تراثنا – كتب : خالد أبو قدوم
كان للمصادفة الأثر الكبير في جعله باحثاً في العملية التعليمية ولكن المصادفة لا تأتي إلا لمن يستحقها كما قالوا ، وهو يستحقها فعلا فقد كان علماً من الأعلام، أنه الباحث الكويتي بدر عبدالله حمد الزوير..ألف كتاباً عن المدرسة المباركية وأتبعه بكتاب عن المدرسة الأحمدية ،ويجهز لثالث عن المدرسة الشرقية وغيرها من الكتب منوعاً فيها بجهود فردية صرفة من دون أن يقدم له الدعم أحد.
قضى الزوير سنوات بحثه الطويلة التي قاربت العقدين بتقصي الحقائق وجمع الوثائق والصور كونت لديه أرشيفاً يتفوق به على أرشيف وزارة التربية جعلته مرجعاً لأهل الاختصاص من باحثين ودارسين.
“ تراثنا ” الالكترونية استضافته ، فتحدث إلينا عن بدايته وعن مشاريعه وعن مقابلاته لرواد التعليم النظامي في الكويت وفي غيرها .
بدر الزوير ل “تراثنا” :
-
رُبط لساني عندما رد : معك خميس نجم من أول بعثة دراسية جاءت للكويت قبل 65 سنة !
-
اعترف لي خميس نجم بأنه كان يصحح لزميله المدرس الشاعر فهد العسكر قصائده !
-
الشيخ جابر الأحمد شارك في مسرحية (إسلام عمر) وفرش أرض المسرح بسجاد فارسي من قصر دسمان !
-
البعثة التدريسية الاولى نقلت التدريس من افتراش الأرض إلى الكراسي ومن شبه النظامي إلى النظامي .
سوق الجمعة والاقدار
لم يدر في خلد الشاب بدر عبدالله حمد الزوير أن تسوقه المعتاد في سوق الجمعة سيكون مختلفاً هذه المرة.. تسوقاً له ما بعده سيصنع له خطاً جديداً في حياته ،خطه القدر ثم المصادفة المحضة.. بدأت الحكاية مع بدر عام 1997 م عندما حضر مزاداً في السوق لمجموعة صور قديمة لرجال وشخصيات كويتية فشدته الصور فشارك في المزاد ورسا عليه.
دراما
عاد الزوير إلى بيته يقلب الصور بين يديه وبالذات صورة لفتت انتباهه كثيراً تخص “المباركية” أول مدرسة في الكويت يطالعها بين فترة وأخرى، واستمرت به الحال كذلك قرابة أربع سنين ، ثم قادته الصورة بما فيها من التاريخ وعبق الماضي إلى قراءة كتاب مختص بالعملية التعليمية الكويتية عنوانه “مربون من بلدي”، لمؤلفه عبدالمحسن الخرافي واستوقفه الحديث عن المباركية ، وعن أول بعثة تعليمية إلى الكويت ، وكانت من فلسطين عام 1936م كان من بين أسماء تلك البعثة الأستاذ خميس نجم ، فقدحت برأس الزوير فكرة غريبة ، ما إن قدحها حتى تحولت إلى ما يشبه الدراما حيث أخذ دليل الهاتف الحاوي على جميع أرقام هواتف الكويت الأرضية حينها ، وطلب الرقم المدون باسم خميس نجم .
ومع الرنة الأولى للهاتف استبشر الزوير بالخير ، فالخط ما زال بالخدمة ، ومع استمرار الرنين كانت نبضات قلبه تتسارع وما إن فتح الخط حتى بادر بالسؤال : هل هذا منزل خميس نجم ؟ فقال المتحدث على الطرف الآخر: معك خميس نجم !!!
فرحة العمر
مفاجأة غير متوقعة على الإطلاق جرت في عام 2001 حدثت فصولها بعد مرور 65 عاما على تاريخ قدوم البعثة الفلسطينية إلى الكويت مثلت صدمة له ربطت لسانه للحظات.. صدمة مردها وجود خميس في الكويت وعلى قيد الحياة أيضاً وهو الذي يكلمه وليس أحد أبنائه مثلاً ، وشكلت صدمة مثلها للأستاذ خميس بسؤال الزوير عن مشاركته في البعثة التعليمية بعد أن أصبحت هي وأعضاؤها في طي النسيان ومن ذكريات الزمن الجميل.. يقول الباحث بدر الزوير عن الموقف:
“كانت الصدمة من الطرفين سيدة الموقف وكان الترحيب الشديد متبادلاً حتى إن الأستاذ خميس كان فرحاً بي فرحاً كبيراً معتبرني ضيفاً هبطت إليه من السماء، وما إن أنهينا المكالمة حتى اتفقنا على ضرورة اللقاء في أقرب وقت وقد كان”.
-
ثلاثة من مدرسي البعثة الفلسطينية الاولى استقروا في الكويت ونالوا شرف المواطنة .
حوار الذكريات
كان لقاء الزوير بالأستاذ خميس لقاءً غنياً بالمعلومات والفائدة ،تحدث الأخير فيه عن سيرة حياته ، منذ أن كان في فلسطين حتى الآن ، مقترحاً عليه اقتراحاً شد الزوير كثيراً، ألا وهو مقابلة رئيس البعثة الأستاذ أحمد شهاب الدين ، والأستاذ محمد محمود نجم أحد أعضائها ، وهو ما شكل صدمةً جديدةً للزوير ،وكم كانت صدمتهما كبيرة أيضاً أن يسأل عنهم ويقابلهم أحد المهتمين بتاريخ العملية التعليمية في الكويت، بعد تلك السنوات الطويلة…
أصبحوا مواطنين
ويبدو أن الموضوع يدور في خانة المستحيل لكن الذي جعله ممكناً أن الثلاثة قد حازوا الجنسيةَ الكويتية فاستقروا في الكويت ولو عادوا إلى بلادهم لتعثرت مقابلتهم حتماً.
سباق مع الموت
الجدير بالذكر أن الثلاثة قد توفوا لاحقاً “رحمة الله عليهم جميعا ً ” فكان من حسن حظ الزوير ومن حسن حظ أبحاثه أنه كان إلى لقائهم أسرع من الموت، وكان قد سبقهم بالوفاة الأستاذ محمد المغربي عام 1961م ، أثر حادث سيارة في طريق السفر إلى الأردن.
لقاء الذكريات والعسكر
اللقاء كان ذا شجون وغنياً بالذكريات ، وقد أدلى كلٌ بدلوه ، فقدم خميس للزوير قصيدة ، قالها راشد السيف في خميس في مساجلة شعرية ارتجالية ثلاثية بينه وبين السيف ناظر مدرسة الأحمدية ، ومدرس مصري يدعى عبدالحميد بدوي” رحمة الله عليه “، بالإضافة إلى معلومة أتحفنا بها الأستاذ خميس أنه كان يصحح للشاعر الكويتي فهد العسكر” رحمة الله عليه” قصائده ، رغم أنه مدرس لمادة الاجتماعيات ! ولا غرو في ذلك فنجم شاعر أيضاً وله ديوان شعر لكن غير مطبوع، وأما محمد محمود ” رحمة الله عليه ” فذكر أن أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد شارك بالتمثيل المسرحي ..
طالع ( الحلقة الثانية من اللقاء ) : الباحث الزوير : أرشيف 60 سمنو للتربية في مكب النفاية
امير القلوب ممثلاً
يوضح لنا الزوير ذلك ويقول:” كان من ضمن النشاط المدرسي للمباركية في العام الدراسي 1938ـ 1939م مسرحية بعنوان “إسلام عمر” وقد مثل فيها الشيخ جابر حينها باعتباره طالباً فيها وهو في عمر اثنتي عشرة سنة تقريباً”
يواصل الباحث بدر حديثه :” الطريف في الموضوع أن السجاد الذي فرش فيه المسرح حينها أتى به الشيخ جابر الأحمد ” رحمة الله عليه ” من دسمان قصر والده أمير البلاد أحمد الجابر وكان من السجاد الفارسي وتم إعادته فور الانتهاء من المسرحية وهذا إلى جانب تمثيله أيضا في مسرحية ” فتح مصر” في عام 1940م “.
-
استُبدلت البعثة المصرية بالفلسطينية التي عادت لبلادها في الاربعينيات لفترة ، ثم أعيدت السابقة مجدداً.
لماذا الفلسطينية ؟
السؤال الذي يطرح نفسه : لماذا تمت الاستعانة بالبعثة الفلسطينية دون غيرها كالعراقية مثلاً ؟
يجيب الزوير:” يرجع هذا الى مدير إدارة المعارف الشيخ عبدالله الجابر الذي سمع كثيراً عن كفاءة المدرسين الفلسطينيين وتميزهم من غيرهم ، مثل درويش المقدادي ” رحمة الله عليه ” وغيره ممن يدرسون في المدارس العراقية فبعث الشيخ برسالة إلى مفتي القدس أمين الحسيني ” رحمة الله عليه ” يطالبه بإرسال معلمين للبدء بالتعليم النظامي في الكويت وعندي صورة من تلك الرسالة فأرسل المفتي ببعثة تضم أربعة مدرسين هم : أحمد شهاب الدين مسؤول البعثة وخميس نجم مدرس اجتماعيات وجابر حديد مدرس لغة إنكليزية ومحمد المغربي مدرساً للتربية البدنية ” رحمة الله عليهم” والذي قامت على يديه الحركة الكشفية الكويتية لاحقاً وقد قال فيهم الشاعر فهد العسكر قصيدة ترحيبية”.
الانتقال للتدريس النظامي
ويواصل الباحث بدر حديثه مقلباً بين صور قديمة بين يديه ويقول: “انظر إلى تلك الصور التي فيها الطلبة يفترشون الأرض وانظر إلى الصور الأخرى، التي فيها الطلبة يجلسون على كراسي وأمامهم طاولات.. الصور تختزل ما قامت به البعثة التعليمية الفلسطينية بنقل التعليم من افتراش الأرض إلى الطاولات والكراسي ، ليس هذا فحسب بل قاموا أيضاً بإدخال المناهج الجديدة من فلسطين والعراق ، كمناهج العربي والرياضيات والعلوم ، ووضعوا الخطط واللوائح ، وعينوا المفتشين ودربوا المدرسين الموجودين فانتقل التعليم من مرحلة التعليم شبه النظامي إلى مرحلة التعليم النظامي”.
بين البعثة الفلسطينية والمصرية
الجدير بالذكر أن البعثة الفلسطينية عادت إلى بلدها في أوائل الأربعينيات وجاء بديلاً عنها البعثة المصرية ، فلما نشب الخلاف معهم عادت البعثة الفلسطينية مجدداً، مع نهاية الأربعينيات ، بقيادة درويش المقدادي ورافقته زوجته ربيحة المقدادي ” رحمة الله عليهما ” ، وعينت ناظرة للمدرسة الشرقية وزوجها مديراً للمعارف الكويتية ، قرابة الثلاث سنوات وكان كتابه ” تاريخ العرب” يدرس في المدارس الكويتية حينها ولما تم تعيين الكويتي عبدالعزيز حسين ” رحمة الله عليه ” مديراً للمعارف بدلاً من المقدادي أصبح الأخير نائباً له فسنوا القوانين واللوائح ، وفتحوا لاحقاً باب التعاقد مع المدرسين من مختلف البلاد العربية ، كمصر والعراق والأردن والجزائر وتونس والمغرب مستفيدين من مختلف الخبرات ، مما كان له أطيب الأثر في سير العملية التعليمية.