شخصيات .. كانت بالأمس معنا 

منتقاة من” يوميات زائر للشرق الأقصى” 

تراثنا – التحرير :

كانت اطلالته كل يوم خميس مساء ، سببا في تحلق الأسرة الكويتية حول الشاشة الفضية ، للإنصات إلى فتاويه وردوده السلسة ، على الأسئلة الموجهة إليه من المشاهدين عبر برنامجه (مع الدين) .

كان للشيخ الداعية عبدالله النوري “يرحمة الله” صولات وجولات دعوية في المشرق والمشرق ، بغرض التعريف بالدين الإسلامي الحنيف ونشره ، ومن بين تلك الجولات ، اختارت تراثنا جولته في شرق آسيا ، التي ألف حولها كتابه (يوميات زائر للشرق الأقصى) ، وهي من مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق .

الشيخ عبدالله النوري :

• ضيعت عشرين عاماً وأنا أصطاف في بلاد شرقية أو غربية بين وجوه عابسة لا تبش لغريب !

• وجدت خضرة لا تذبل وربيع لا يذوي وغابات  لم تطأها قدم في بلاد الجاويين والملاويين .

• زعموا ان المنطقة استوائية حارة وبها أمراض الملاريا والطاعون فلم أر الحر ولا المرض !

يبدا الشيخ عبدالله النوري في كتابه بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسم بالقول : وأخيراً زرت الشرق الأقصى ..زرت شبه جزيرة الملايو ، وزرت جزيرة جاوة ،، بهذين الاسمين كان يعرفهما الناس أو يسمونهما قبل أن تكونا ماليزية وأندونيسية .

ويستطرد قائلا : وكنت قد وفقني المولى لأداء فريضة الحج عام 1350 هجرية وفي الحرمين ..مكة والمدينة التقيت بالكثير من حجاج الشرق الأقصى ، وكانوا آلافاً معدودة.. وكلهم يُعرفون عند أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة بالجاويين أو الملاويين .. ولم يكن يومئذ اتحاد فيدرالي ماليزي ، ولا كان اتحاد اندونيسي ، وإنما كان استعمار هولندي في جاوا وما جاورها ، واستعمار انكليزي في شبه جزيرة الملايو وما جاورها .

غابات بكر 

وكان الناس يتحدثون عن غابات بكر لم تطأها قدم انسان لا أول لها ولا آخر.. ويتحدثون عن خضرة لا تذبل ونضارتها ..وعن ربيع زاده لا يذوي ، وعن فواكه كثيرة لا مقطوعة و لا ممنوعة ..وعن جنات وارفة ظلالها ، قد ذللت قطوفها ، واسمع منهم حكايات عن اشجار أصلها ثابت وفرعها عالٍ في السماء ..وعن انهار لا ينضب ماؤها ، ومياه غزير تدفقها ، وشلالات لا ينقطع هديرها ..وعن شعب الفطرة ، نشأ صغاره ، وعليها شب كباره ..وعن صدق في المعاملات ، ووفاء بالوعود والعهود العقود .

ماليزية وأندونيسية 

وأخيراً ، زرت ماليزية وزرت اندونيسية .. ورأيت اكثر مما سمعت ..رأيت ربيعاً قيل لي أنه لا يذوي ، فجميع فصول العام ربيع .. قالوا ان المنطقة استوائية ..وقرأنا ونحن صغار ، أن المنطقة الاستوائية حارة .. ولكني لم أر الحر ولم أشعر به ، فدرجة الحرارة في الليل والنهار بين 28 – 31 درجة ..وفي الليل ننام في الغرفة ، وقد نحتاج إلى الغطاء الخفيف .

أمة النظافة والفطرة 

ويمضي الشيخ النوري في الحديث: وقيل لنا أن المنطقة وبائية ، ولكنا لم نر وباء ولا أمراضاً وإنما رأينا أمة النظافة عندها فطرة ، وشعباً نشيطاً ، ووجوهاً ناضرة ، وحياة تدب في الليل والنهار ، وقيل لنا عن المنطقة أشياء كثيرة تخيف ، ولم نر بحمد الله إلا ما يفرح ..الماء رائق ، والمعدة تقبل الطعام وتهضمه .. والنظافة والحياة بكل معانيها بارزة للبصر والبصيرة .

لا وجه عابس

وأسفت أشد الأسف على عشرين عاماً مضت من حياتي وأنا أصطاف في بلاد شرقية أو غربية ، قد احتاج إلى ما احتاج اصلاحه فلا أجد من يدلني ، بل لا أجد وجهاً يبش لي إذا سألته عن حاجتي .. فلما أصطف في مثل هذه البلاد التي لم أجد فيها وجها عابساً ، بل وجدت البسمة الدائمة التي لا تخلو في الصباح من تحيته ، وفي المساء من تحيته .

ورأيت شعباً يحب الغريب ويحب مساعدته ، ويجب على كل سؤال يعرف جوابه ، أو يرشدك إلى من يجيبك إذا عياه الجواب .

وأقول لأهل هذه البلاد سواء في الشمال أو في الجنوب ، لماذا لا تدعون الناس لزيارة بلادكم ؟؟ لماذا لا تهتمون بالدعاية كما يهتم بها أهل الغرب ؟؟ الدعايات السياحية التي تُرغب الناس فيكم ..وبلادكم تصلح للمشتى ..و تصلح للمصيف .

قلت ذلك لكثير من المسؤولين هناك ..وحاولت ان اقنعهم ..قلت لهم ان الدعايات الأجنبية ضدكم كثيرة .. واني لم أصل إلى بلديكم إلا بعد أن اخذت وقايات طبية ضد انواع من الأمراض اختلقها دعاة الغرب ضدكم كالكوليرا ، والحمى الصفراء .. والجدري ..و الطاعون .. والملاريا وغيرها ..أمراضاً لم نسمع بها إلا في كتب الطب ولكن .. شاهدت وجوه الكاذبين .. فقد زرنا الشرق الأقصى ولم نر بحمدالله إلا الصحة والعافية والأنس .

دعوة للسياحة 

اكتب مذكراتي هذه عن رحلتي وانطباعاتي عنها واهديها إلى المسؤولين في ماليزية وفي اندونيسية ، أرجو منهم أن يهبوا لنشر دعاية سياحية لبلادهم ، ليعلم الأشقاء من اخوانهم المسلمين والأصدقاء بأن بلادهم تصلح لكل زائر .. وفيها سيرى المتعة لعينيه في المناظر الطبيعية والخضرة الزاهية ..والمتعة لنفسه بالانسجام مع شعب يحب كل زائر ، وزائرهم لا يجد بينهم الغربة ، لأنه يستمتع بالمقام الطيب والطاعم اللذيذ ، والماء النمير ، والهواء الصافي ، وصدق المشاعر ، إذ يقول ، وكأنه يصف أهل الشرق الأقصى :

ثلاثة تجلو عن القلب الحزن

تنالها من غير ايذاء ومن

في أمة الضيف فيهم لم يهن

الماء والخضرة الخلق الحسن

وكلها بحمد الله موجودة في ولايات ماليزية كلها اوفي جزر اندونيسية كلها .

منتقي من كتاب 

يوميات زائر للشرق الأقصى

هامش

*ولد الشيخ عبدالله النوري عام 1905 وتوفي عام 1981 م

مقابلة نادرة مع الشيخ عبدالله النوري

تواصل مع تراثنا