ملفات متأزمة في التاريخ لم يغلقها تقادم الزمن
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني* :
في القرن الماضي (العشرين) ، علمت الدول الكبرى آنذاك (بريطانية ، وروسية، وتركية العثمانية، والمانية الامبراطورية ثم الهتلرية ، وفرنسة)، أن الخليج العربي له أهميته في الحاضر والمستقبل .
-
القوى الكبرى تبحث عن موطيء قدم لها في منطقة الخليج العربي عن طريق شركاتها لتمسك بزمام مفاتيح ثرواته مستقبلاً .
-
“فننكوس وشركاه الألمانية” تكشف عن وجود منجم للحديد في جزيرة أبو موسى الإماراتية فسيطرت عليها قوات الشاه بالقوة !
-
مبارك الصباع حاكم الكويت أدرك مرامي ألمانية البعيدة المدى والغرض من مد خط سكة حديد عبر عدة عواصم في المنطقة .
وأن الذي يضع فيه موطيء قدم ، ويملك مفتاحه ، هو الذي سيكون له زمام الأمور في كل شيء في مستقبله ، وقد استطاعت ألمانية الدخول من بوابته ، عن طريق شركاتها التجارية ،وهذه حال أغلب الدول آنفة الذكر !
ثروات الجزيرة
قامت أحدى شركاتها باستئجار جزيرة صغيرة في الخليج ، تسمى جزيرة ” أبو موسى” وتقع قريباً من الإمارات العربية المتحدة ، وتحديداً قرب إمارتي رأس الخيمة والشارقة ، وهي تابعة لهما ، مع حزر طنب الكبرى والصغرى ، وهي التي احتلتها إيران اليوم وطردت أهلها الإماراتيين (قمت بعمل دراسة منشورة له لهذه الجزر وأحقية الإمارات بها) .
تشتهر هذه الجزر بثرواتها النفطية ،وأكسيد الحديد الأحمر ، كما لها أهميتها باعتبارها في مدخل مضيق هرمز (أهمية استراتيجية خاصة) .
فننكوس وشركاه
لقد صدقت الشركة الألمانية (فننكوس وشركاه) عندما قالت أن في هذه الجزيرة منجماً للحديد ، تستطيع أن تستثمره ،و هو ما تحقق في حكم شاه إيران محمد رضا بهلوي ، عندما احتل الجزر الثلاث ، ثم جاءت الجمهورية التي اسقطته لترسخ الاحتلال السافر للجزر العربية وتطرد أهلها ،وجعلها إيرانية صرفة ، وذلك لوجود تلك المميزات فيها .
لقد جعلت الشركة الألمانية مقرها في ” لنجة ” على الساحل الغربي الإيراني ، عند مدخل الخليج العربي ، وذلك عام 1314 هجري ( 1896 م ) .
ولم يكن يومئذ في تلك الجزر أي أثر للغربيين ، وكان أعضاؤها يبالغون في إنكار جنسياتهم ، وستر شخصياتهم ، ويتجنبون معاشرة الغربيين ، حشية أكتشافهم ، وكانوا يتوددون كثيراً إلى سكان الخليج .
وفي عام 1315هجري 1897 م ، عينت الحكومة الألمانية بعد ذلك معتمداً سياسياً في الخليج ، وجعلت مقره في مدينة ” بوشهر ” ولم يكن لها في ذلك الوقت في تلك المدينة من الرعايا أكثر من ستة أشخاص ! قال بعضاً من هذه المعلومات المؤرخ حسين خزعل في كتابه ” تاريخ الكويت السياسي ” .
مطامع بريطانية
ولم تستمر الشركة الألمانية هذه ، أو أي شركة ألمانية أخرى في الخليج العربي بعد ذلك ، حيث قوضت بريطانية كل مشاريعها وأحلامها ، وعطلت نفوذها ، لاسيما بعد فشل سكة حديد كاظمة – بغداد – الموصل – ديار بكر – اسطنبول والمانية ؟ وذلك حكم الشيخ مبارك الصباح ، الذي أدرك مقاصد ألمانية السياسة ، وذلك في عام 1317 هجري (1899 م) .
عقد من خط الحديد المذكور صادق عليه السلطان عبدالحميد ومنح امتيازه إلى شركة سكة حديد بغداد السلطانية العثمانية .
فشل ألمانية
المانية حاولت مزاحمة الأسد البريطاني في الخليج العربي ، ولكنها فشلت ليس بالقوة العسكرية ، وإنما بالسياسة التي عادة ما تكون قوتها أشد من القوة العسكرية ، لو استخدمت بالتخطيط المتقن ، وهو ما فعلته بريطانية آنذاك !
ولنا حديث ، بل أحاديث عن تلك الحقبة ، نجلي فيها بعض الحقائق والقضايا التي لم تكن ذا بال في وقتها .
والله المستعان ..
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا