د.الفرحان وزير الأوقاف الأسبق (الحلقة 2) والاخيرة 

يفتح سجل ذكرياته على مصراعيها ل” تراثنا ” بكل صراحة

 

تراثنا – خالد ابو قدوم :

 

في لقاء امتد ساعتين مع وزير الاوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق د . راشد الفرحان ، جال فيها مع ذكريات نشأته وتربيته ، متحدثاً عن كويت الماضي ، وما عاناه الكويتيون من شظف المعيشة واسرته ، وبالأخص في الحرب العالمية الثانية نشرت تفاصيها تراثنا في الجزء الاول من اللقاء .

 

واستكمالاً لجوانب الحوار الممتع مع أبو رياض في الجزء الثاني والأخير ، ننتقل إلى الحقبة السياسية في حياة د . الفرحان ، ودوره في البرلمان ، ومعاضدته للمعارضة السياسية تحت قبة البرلمان ، ثم تنصيبه في منصب وزير في الحكومة ، مما ألب عليه المعارضة ، كما نتناول جوانب من الانجازات الطيبة في وزارة الأوقاف التي وسُد إليه وزارتها ، ومنها تصديه من خلال هذا المنصب ، للرئيس الليبي السابق العقيد معمر القذافي في إحدى المؤتمرات، غير عابئ لغطرسته وديكتاتوريه ، عندما تهكم على شخصيات بارزة في التاريخ الاسلامي .

 

• فاز الفرحان بعضوية مجلس الأمة ولم يتكلف سوى مصاريف بطاقات تعريفية بشخصه !

• رفع الفرحان عريضة اعضاء  المعارضة في (أمة67) إلى الشيخ صباح فقال له : اشرب الشاي .. وودعه!

• قبل عرضاً لمنصب وزير الأوقاف واعتبره فرصة للإصلاح .. فغضب عليه زملاء المعارضة !

• دعا إلى حل مجلس (73 ) باعتباره أصبح مهزلة لمشاغبة اعضاءه ورفضهم التعاون مع رئيسه خالد الغنيم !

• الكويت تزود  الزعنون القيادي في منظمة التحرير ب 16 سيارة اسعاف للمخيمات الفلسطينية في لبنان عام 73.

• أمر الشيخ جابر الأحمد بتمويل مركز إسلامي بأنكلترا عجزت الجالية المسلمة استكمال بناءئه فعرضه المقاول للبيع .

• تبنى اقامة دور القرآن وتدريس علومه حتى غدت بالمئات في طول البلاد وعرضها وصندوقاً لرعاية المرضى .

• تقدم مواطن بطلب تبرعات لتكييف مسجد في الرميثية فكان مدخلاً لتبني الوزارة تكييف 300 مسجداً في الكويت !

 

الفرحان و عضوية البرلمان

 

ومع دخول الفرحان لمجلس الامة ، وقد اصبح الحلم حقيقة واصبحت السياسة ممارسات في ساحة المجلس ، بعد ان كانت نظريات مكتوبة او كلمات مسموعة.. يصف الفرحان المشهد بعد ازاحة الستارة بصفته احد ممثليه ويقول:

” كان المجلس حقيقي في تاريخ الكويت كونه رسخ العملية الديمقراطية، وضم اعضاء ليس لهم هم الا خدمة الوطن والمواطن بمن فيهم المعارضة التي كانت فاعلة جدا وتضم : احمد الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيس ويعقوب الحميضي ومحمد احمد الرشيد وغيرهم ، وكانت ابرز مطالبهم قانون الحريات، وقانون التجمعات، وقانون الصحافة وغيره، وللإنصاف فان معظم القوانين سنت في المجلس التشريعي الاول”.

 

ويمضي قائلا : ” الجميل في هذا المجلس خلوه طوال فترة انعقاده من الاستجوابات وما هذا الا لحرص السلطتين على مصلحة البلد، ومتى ما حصل اشكال كان النواب يجتمعون بالوزير المعني بشكل ودي خارج قبة البرلمان، يتناقشون الى ان يصلوا للحل، بل ووصل الامر بالنواب احيانا ان يقدموا المساعدة للوزراء ! “

 

 

كلفته الدعاية حفنة دنانير !

 

الطريف ان الفرحان فاز بعضوية مجلس الامة دون ان يكلفه ذلك اي مبلغ، باستثناء بضع دنانير معدودة وكان بالدعاية الانتخابية من الزاهدين، صرفها لطباعة كرت تعريفي به، مستندا الى سمعته كمؤلف وشهادته الجامعية والى اهله وعشيرته وحب اهل منطقة المرقاب له.

 

الفرحان واثناء عضويته بالمجلس قدم اقتراحاً مع زميله النائب حمد المشاري بإضافة جملة ” والشؤون الاسلامية ” الى اسم وزارة الاوقاف وهو ما تم الموافقة عليه بالمجلس، وتم زيادة الميزانية المخصصة للوزارة لاتساع النشاط، كما انه اول من طالب بمنح المرأة حق الترشح والانتخاب وهو ما تحقق بعد عقود.

 

معروض الأحتجاج !

 

وتكرر نجاح الفرحان بدورة المجلس الثانية عام 1967م لكنه رفض العضوية مع 6 من الاعضاء ،لما شابه من شائبة الكبير والمكشوف الحاصل بتلك الانتخابات وهم :: عبدالعزيز الصقر ومحمد الخرافي ومحمد العدساني وخالد المسعود وعلي العمر وعبدالرزاق الخالد.

 

ونتيجة لما حصل اجتمع الاعضاء الناجحون مع الاعضاء الساقطين ، واتفقوا على كتابة احتجاج يقدم الى امير البلاد الشيخ صباح السالم  ،فكتب الفرحان والنيباري الاحتجاج واجتمع الرأي على الفرحان لتسليمه لولي الامر ..

 

يقول د الفرحان عن تلك الواقعة : ” وقع الاختيار علي لأني كنت اعمل معه في الخارجية ،واذهب للسلام عليه في قصره في الاعياد، وهو ما سيسهل المهمة، وبالفعل ذهبت وبعد اجراءات التفتيش وصلت مكتبه برفقة ثلاث حرس ، نظرا لتكهرب الوضع حينها، فلما قابلته استقبلني بوجه غير مرض، وطلب لي شاي واخذ مني عريضة الاحتجاج والقاه على المكتب ، وما ان اتممت شرب الشاي حتى بادرني بالسؤال : ” شربت الشاي” ؟ فأجبته : نعم .. فودعني ” !

 

وكان معروف عن سموه ” يرحمه الله ” طيبة القلب، ولكن الاحداث كدرت مزاجه فبدر منه ما بدر.

 

 

قبول الفرحان الوزارة !

 

ومع انطلاقة مجلس 1971 عرض ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الراحل جابر الاحمد الحقائب الوزارية على المعارضة رغبة بإنهاء الخلاف وفتح صفحة جديدة، فرفضوا جميعا باستثناء الفرحان متقلدا وزارة الاوقاف، مما الب المعارضة ضده كونهم في زورق واحد..

 

يبرر الدكتور موقفه ويقول : ” كان هدفي خدمة وطني أيا كان موقعي، فرايتها فرصة مناسبة لخدمة البلد من موقع مسؤول، استطيع منه تنفيذ التطوير المطلوب لما فيه خدمة الكويت في نهاية المطاف”.

 

نشاطه في الداخل والخارج

 

الى جانب وزارة الاوقاف كان الدكتور الفرحان ونظراً لهمته ونشاطه الواضحين ينوب عن الوزراء الغائبين، فتقلد زمام معظم الوزارات وامتدت همته ونشاطه الى خارج الديار فتفاعل الى ابعد الحدود مع قضايا العرب والمسلمين ايماناً منه بوحدة المصير، وتجلى ذلك بمواقف يدة يذكر لنا احداها :

 

دعم القضية الفلسطينية

 

” جاءني عام 1973 وفد فلسطيني بقيادة سليم الزعنون رئيس المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية واثنين من مرافقيه طالبين امدادهم بعدد 16 سيارة اسعاف لخدمة المخيمات الفلسطينية في لبنان ، فلبيت طلبهم وزيادة بتجهيزها بكل ما يلزم لتكون جاهزة للخدمة “.

 

طالع الحلقة السابقة (الأولي) :

 

د .الفرحان يرد على مرتزقة التراث ويؤلف كتاب عن تاريخ الكويت 

 

 

صندوق رعاية المرضى

 

اما بالداخل فكان صاحب الفضل والفكرة بإنشاء ” صندوق اعانة المرضى “عام 1979 وذلك بعد التنسيق مع وكيل وزارة الصحة يوسف الحجي، ذلك الصندوق الذي ما زال حتى يومنا هذا يسهم بعلاج المرضى من مختلف الجنسيات، ويقدم الدعم في الداخل والخارج.

 

 

تكييف مساجد الكويت

واما مساجد الكويت فزودها بالمكيفات بعد ان كانت تعتمد على المراوح فقط وهو ما يعني ان كل نسمة هواء باردة على ضيوفالرحمن.. يذكر لنا كيف جاءت فكرة النسمات الباردة:

 

” جاءني احد المواطنين بمطلع السبعينيات، يطلب تبرعاً لتكييف مسجد في الرميثية، فقلت له ارجع ما عندك من تبرعات الى اصحابها، او تبرع بها على الفقراء ، وسنقوم بتكييف المسجد.. وبالفعل كيفناه وكيفنا 300 مسجد من اموال الاوقاف، وكان في طليعة المساجد المكيفة مسجد البدر ومسجد بورسلي، وتم الاتفاق مع وزير الاشغال حمود النصف على تسلم المساجد الجديدة مكيفة، وهو ما يجري العمل به حتى الان”.

 

 

مدارس القرآن الكريم

 

ليس هذا فحسب ، فأفكار الفرحان متعددة وفي مختلف الجوانب وله الفضل بعد الله ،اذ كان صاحب الفكرة والأمر بإقامة مدارس القران الكريم، فكانت تقدم الى جانب تدريس كتاب الله، اللغة العربية والنحو والصرف والبلاغة، حتى وصل عددها الان في طول الكويت وعرضها الى مئات المدارس والمراكز والحلقات، تقدم خدماتها للرجال والنساء.

وقد تعددت مواقف الفرحان المشرفة اثناء وجوده في الوزارة حتى إلى بلاد الضباب انكلترا، حيث تم عرض احد المراكز الاسلامية عام 1972 للبيع، من قبل المقاول الانكليزي المشرف على العمل، بعد ان عجزت الجالية عن تكملة باقي المصاريف.

 

 

 

تمويل مسجد في انكلترة

 

سافر الفرحان ، ووصلإلى بريطانية بالقطار ليلاً ، ولم يصل الى وجهته الا في الصباح دون ان يغط له جفن، وقابل المقاول برفقة امام المسجد المصري ابراهيم الجيوشي، طالباً منه سحب المركز من المزاد متعهداً ، بدفع باقي المستحقات من قبل الوزارة ، وإلا فأنه فسيدفع المبلغ المطلوب من جيبه الخاص، طالباً منه مهلة اسبوع فقط، وفعلا ما ان عاد الفرحان الى الكويت وكلم ولي العهد الشيخ جابر الاحمد، حتى تمت الموافقة وتم استكمال المبلغ وبناء المركز.

 

مجلس شغب !

 

وفي مجلس الامة بدورته الرابعة عام 1975 استطاع ” أبو رياض” الفوز بالعضوية للمرة الرابعة على التوالي، لكن المجلس لم يعمر طويلا فتم حله في عام 1976 ..

 

الفرحان كان شاهداً على العصر ويوضح لنا الموضوع :” فاز العضو خالد الغنيم برئاسة المجلس، ولم يتقبل منافسوه الهزيمة فاشعلوا المجلس شغباً، حتى اصبح المجلس عاجزاً عن أداء مهامه ، فوقفت في احد المرات تحت قبة البرلمان وقلت بالصوت العالي :” حلو المجلس.. هذا مجلس مهزلة” .

 

ولان السيل بلغ الزبى واصبح المجلس اضحوكة، يتندر عليه من في الداخل والخارج .. تم حله اثناء الاجازة الصيفية للنواب في عام 1976.

 

 

 

المحاماة

 

ومثلما بزغ نجمه في السياسة ، بزغ وعلا علمه بالمحاماة ايضا، بدأها بدأها في عام 1963 م ، واعتزلها بعد التحرير حوالي عام 1993 .. يقول الفرحان عن قضية من القضايا اكسبته مبلغا محترماً كان بأمس الحاجة له: ” جاءني ابناء محمد الحقان ” يرحمه الله ” من منطقة الفنطاس عام 1969 يشكون لي ارضاً لهم واراضي مجاورة بمنطقة المهبولة ، تم تسجيلها بوثيقة لآخرين وجرى فرزها لقسائم ، فرفعت دعوى وحذرت الناس من الشراء، وعلى الرغم من وجود سبعة من المحامين ضدي بالإضافة للبلدية ، الا اني كسبت القضية، واعدت الحق لأصحابه ، ساعدني في ذلك ان وثائق تملك الخصوم كانت ” طارئة ” اما وثيقة ابناء الحقان فهي الاصل “.. والاصل يبطل الطارئ.

 

مواجهة مع القذافي

 

الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي ملأ بلاده ظلماً وجوراً ولم تسلم من شره وجبروته بعض الدول القريبة والبعيدة، ونصب نفسه ” ملك ملوك افريقية ” كانت له مواجهة مع د .الفرحان أما كيف؟ فيقول هو حاكياً الحادثة : جاءتني دعوة بصفتي الشخصية من صديقي رئيس لجنة الدعوة الاسلامية في ليبيا الدكتور محمد احمد الشريف، للمشاركة بمؤتمر يهتم بقضايا الامة الاسلامية في فندق المهاري بطرابلس، وكان ذلك قبل الثورة التي اطاحت بالقذافي بسنة.

 

شبهات القذافي الباطلة

 

وكان الزعيم الليبي قد القى بالمؤتمر كلمة تجول فيها بالعديد من المواضيع ، كان ابرزها انتقاده للخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، الذي بنى مسجد القبة المشرفة في القدس ليصد الناس عن الحج خلال صراعه مع عبد الله بن الزبير المسيطر على الحجاز، وهي تهمة باطلة يروج لها المستشرقون اعداء الإسلام ويرددها بعض الابواق عندنا ، كما انتقد كتب الفقه والتراث الاسلامي القديمة واصفا اياها بـ ” الكتب الصفراء “.

 

رد صاعق على القذافي

 

” تكلم المتكلمون بكلام طيب عابه التلميح ، وهم اعضاء احزاب او جمعيات، فلما جاء دوري في الحديث ،وقد نفد صبري من الانتظار قلت مخاطبا القذافي مباشرة وتصريحاً لا تلميحاً وباللقب الذي يتداوله الليبيون: يا اخ معمر.. انت لست ممن يتكلمون بالحديث، فالحديث له رجال متخصصون !!

 

فارتمى القذافي على ظهر كرسيه !! واما الكتب الصفراء يا اخ معمر، فهي تراثنا نموت ونحيا عليه، وهذه الكتب حافظة للفكر والفقه والتراث الإسلامي ملزومون بالحفاظ عليها “.

 

واستمر الوزير د. الفرحان في ردوده ، غير آبه للأنظار المذهولة المصوبة تجاهه ، فرفع وتيرته بتذكير القذافي بمصير الطواغيت، مستشهدا بشاوشيسكو ديكتاتور رومانية ونهايته الدموية..و هو ما حل بالقذافي بعد سنة  !!

 

 

المؤلفات

 

بوادر الموهبة لدى الفرحان ظهرت وهو طالب بالأزهر، فواصل الليل بالنهار لتأليف كتابه الاول ، الذي كان بعنوان ” الصيام في الاسلام ” وتبعه بكتابه الثاني سالف الذكر مختصر تاريخ الكويت، ثم اتبعه بثالث “تفسير مشكل القران ” واما كتابه الرابع فألفه وهو نائب فيمجلس الامة بعنوان ” النظام الاجتماعي بين الرجل والمرأة ” وقد تم ترجمته الى اللغة الاوردية.

 

قلم الفرحان سيال لا ينضب ولم يتوقف عند هذا الحد، بل ألف العديد من الكتب على سبيل المثال لا الحصر، الجزء الثاني من ” تفسير مشكل القران ” وكتاب ” عقائد الاديان المعاصرة المطبوع عام 1985 ” وكتابه ” هداية البيان في تفسير القران ” المكون من اربعة مجلدات المطبوع عام 1990 وكتاب ” معجم الأماكن الكويتية ” المطبوع 1995، وكتاب ” التدخين مباح ولكن ” المطبوع عام 1996 وكتاب ” الفقه المعاصر في المعاملات المدنية ” المطبوع عام 2000 وغيرهم الكثير، حيث له ما يربو على اربعين مؤلفا، ما بين كتب وابحاث وقصص ومحاضرات، طُبع منها ثلاثة عشر كتاباً0 في التاريخ والاماكن والفقه والتفسير ومقارنة الاديان والاسرة.

 

 

 

تواصل مع تراثنا