من كتاب (أرض النخيل) الحلقة (1)
الكويت في منظار الرحالة الهندي كرستجي في رحلته للمنطقة ( 1916-1917)
تراثنا – التحرير :
في رحلة توثيقية قام بها الرحالة الهندي سي . أم . كرستجي إبان الحرب العالمية الأولى شملت موانيء عدة في الخليج العربي ،أنطلقت من بومباي إلى البصرة والعودة إليها (1916-1917م)، ونزل خلالها في الكويت في زمن الشيخ جابر المبارك وأخيه سالم ، وكتب مشاهداته عنها في كتابه (ارض النخيل) تقتبس تراثنا بعضا منه .
كرستجي :
-
“عبداللطيف” مرشدنا المفوض ومدير الجمارك شخصية لطيفة ومفخرة للشعب العربي ، متوسط العمر، طويل ذو أخلاق كريمة ودود وجذاب ووسيم !
-
مبنى الجمارك بناء واسع قائم بغير انتظام، الرزم والأكياس والسلال والعلب والصناديق بمختلف أنواعها وأحجامها مكدسة ومتناثرة هنا وهناك..
-
الصرافون في الكويت يتركون العملات في الخلاء المفتوح بصناديق بدائية سهلة النشل .. ولم تحدث سرقة إطلاقاً !
النزول إلى الكويت
وفي الصباح الباكر من اليوم التالي جاء السيد” عبداللطيف (1)” ، ودعانا لتمضية النهار في المدينة وتناول طعام الإفطار معه ، فهو شخصية لطيفة للغاية ومفخرة للشعب العربي ، وهو رجل متوسط العمر ، مكين البنية ، طويل القامة ، وسيم الملامح ، أخلاقه كريمة ودية وجذابة .
وبسبب وداعته وصراحته وبساطته ، شعرت بالارتياح معه سريعاً ، وهو يتكلم الأنكليزية إلى حد ما ، كما يتكلم الهندية بطلاقة مثل العديد من العرب الذين هم على صلة مع بومباي .
لذا فقد انسجمنا معاً بصورة حسنة ، فإلى جانب كونه مسؤولاً عن جمارك المرفأ ، فهو أيضاً عضو في محل الشيخ الذي يضم عدداً كبيراً من المشايخ والأعيان ،وقد اكتسب سمعة عالية وتقديراً كبيراً لكفاءته واستقامته .
وقد قمنا أنا والقبطان برحلة بحرية ممتعة إلى الشاطيء في قاربه الفسيح ، مستلقين على السجاد والوسائد الوثيرة ، وقد رسونا دون أن تبتل اقدامنا على رصيف الجمارك ، وهو عبارة عن كاسر للأمواج صغير الحجم ، رديء البناء ، تحيط به الكتل الصخرية المتفاوتة التي يتخللها الوحل أثناء الجزر بأكثر مما يتخللها الماء ،
وكما هو عليه الحال في معظم الإنشاءات القائمة في هذه الأرض القديمة ، باعتبار ذلك صفة مميزة للشرق الجامد ، الذي لا يطرأ عليه تغيير ، فإن عتبات المرفأ وجدان كاسر الأمواج ، كانت متصدعة ومتهالكة البناء .
وقد أخبرنا السيد ” عبداللطيف ” بأنه سيتم قريباً توسيع كاسر الأمواج ، وترميمه بالكامل ، إن شاء الله ، على أمل أن يتحقق ذلك .
وصف مبنى الجمارك
وقد قمنا أولاً مع صاحبنا الوجيه المفوض المسؤول عن الجمارك باعتباره دليلنا بزيارة مكتبه الكائن في مبنى الجمارك ، حيث قدمت لنا هناك كالعادة القهوة التي لا مفر منها !ّ
وبعدها قمنا بالتجول في أرجاء مبنى الجمارك ، وهو بناء واسع قائم بغير انتظام حيث كان بمقدوري أن ارى الرزم والأكياس والسلال والعلب والصناديق بمختلف أنواعها وأحجامها ، وهي مكدسة ومتناثرة هنا وهناك ،في حالة شديدة من الفوضى ، يتعذر إصلاحها .
فقد كان المبني رديء التهوية وإلإضاءة ، وأرضيته غير مبلطة ، وهي عبارة عن رمال رخوة ، وكتل من الصخور الصلبة .
زيارة أسواق الكويت
وقمنا بعد ذلك بجولة استطلاعية في أسواق الكويت ، وخارجها وما حولها ،حيث تشبه هذه الأسواق من حيث التصميم ونمط البناء نظيراتها في الأماكن الأخرى ، التي سبق لي أن وصفتها من قبل .
وفي كل مكان يذهب مرشدنا المفوض وعضو مجلس الدولة ، كان يقابل بالترحاب والتحيات الدالة على الإحترام التي كان يرد عليها بحرارة ومودة أخوية .
وقدر زرنا سوق الجزارين التي كانت مشاهدتها مثيرة للمتعة ، وإن لم تك تبعث على السرور ، حيث تعرض فيها قطع اللحم الكبيرة التي بامكان المرء أن يتصور أنها لحم الإبل ، حيث تقدم تلك الوسيلة النافعة للنقل في الصحراء خدمة إضافية هنا.
فأي شيء يتعلق بالصحة هنا كما هو عليه الحال في بقية أنحاء الخليج ، ليس له محل في التفكير ، كما أن الروائح النتنة المنبعثة من مخلفات البهائم واللحوم المذبوحة لتوها ، والقذارة المنتشرة لا تسمح لنا بالتريث هنا لفترة أطول .
طالع الحلقة الثانية :
الرحالة الهندي يدعو أهل الكويت للعب الكريكيت والطيارة الورقية !
ساحة الصرافين
وبعد خروجنا من الأسواق ،وجدنا أنفسنا فجأة أمام ساحة واسعة جداً ، أو خلاء مفتوح في الزاوية الجنوبية الغربية من السوق ، ومن بين الأشياء التي شاهدناها هناك عدد من الصرافين العرب ، كل منهم جالس أمام مجموعة الصناديق مختلفة الأحجام ، ضعيفة الصنع ، مليئة بالعملات النقدية ، ولها أفقال ومفاصل حديدية من طراز بدائي جداً لدرجة أن اقل المحترفين خبرة في مهنة النشل والرقة بامكانه أن ينتشلهم باسهل ما يمكن .
لا سرقات
وقد أدهشنا السيد “عبداللطيف ” عندما أكد لنا أن أمانة القاطنين في الكويت عالية جداً ، إلى درجة أن هولاء الصرافين المحليين عندما يذهبون إلى بيوتهم في المساء ، فأنهم يتركون هذه الخزائن في مكانها كما هي عليه ، في الخلاء المفتوح ، ولم تحدث أية حالة للسرقة إطلاقاً .
ولا أرغب إطلاقاً القول بأن ذلك غير قابل للتصديق ، ولكنني أثق أن هؤلاء الصرافيين الكويتيين السعداء الطالع يجرون معاملاتهم التجارية مع هؤلاء الناس الطيبيين بصراحة ووضوح على نحو متبادل .
هامش :
1-يقصد به عبداللطيف العبدالجليل (المدير).
يتبع لاحقا ..