• Post published:20/06/2024

 

 

الحلقة (33)

 

كتابة التاريخ وتدوينه

 

تراثنا – التحرير :

 

في الحلقة (33)، تواصل تراثنا نشر متفرقات منتقاة من كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية) لمؤلفه : محمد بن علي ابن طباطبا (1260 – 1309 هجرية).

 

يستكمل ابن طباطبا تقديم إرشاداته ومشورته لمن وُكل إليهم أمر سياسة العباد، ويحكي بعض الحكم والأمثلة من الاقوال والروايات التاريخية التي تعضد كلامه، ويحذر في هذه الحلقة الملوك والأمراء من ارسال مراسيل غير موثوق بهم  للملوك خشية الخيانة وسوء تمثيلهم لمن ارسلهم  ، ص (69  – 70)، إذ يقول : 

 

الرسول مرآة المرسل

 

ومن الأمور المهمة للملك حسن نطره في إرسال الرسل ، فبالرسول يُستدل على حال المرسل ، قال بعض الحكماء : أذا غاب عنكم حال الرجل ولم تعلموا مقدار عقله فانظروا إلى كتابه ورسوله ، فهما شاهدان لا يكذبان.

 

ويجب أن يكون في الرسول خصال ، منها العقل ليميز به الأمر المستقيم من المعوج ، والأمانة ، والعفاف لئلا يخون مرسله ، فكم من رسول برقت له بارقة طمع من جهة من أُرسل إليه فحفظ جانبه وترك جانب مرسله !

 

معاوية ورسوله إلى ملك الروم 

 

سجلات التاريخ
سجلات التاريخ

أرسل معاوية ، رضي الله عنه ، إلى ملك الروم رسولاً من أقاربه ، كان يعتمد عليه لتقرير أمر الهدنة ،واشترط معاوية شروطاً غليظة ، فلما حضر الرسول عند ملك الروم اجتهد به على تخفيف تلك الشروط فلم يقبل ، فخلا به وقال له : بلغني أنك فقير ، وأنك إذا أردت الركوب إلى معاوية تستعير الدواب ، قال : كذلك هو ، قال فما أراك تعمل لنفسك شيئاً ، وهذا المال الذي عندنا كثير ، فخذ منه ما يغنيك إلى الأبد ودع معاوية .

 

وأحضر له له عشرين ألف دينار ، فأخذها وخفف له الشروط ، وأمضى أمر الهدنة ،ثم رجع إلى معاوية ، فلما نظر معاوية في الكتاب ، علم بالحال ، فقال له : ما أراك عملت إلا له ، وعزم على مؤاخذته ، فقال له : يا أمير المؤمنين أقلني ، قال : أقلتك ، وأعرض عنه .

 

 

نزع الخليفة وثبت غيره !

 

وفيما فعل كمال الدين محمد بن الشهرزوري حين أرسله أتابك زنكي صاحب الموصل إلى بغداد لتقرير أمر ” الراشد منبهة ” على وجوب تدقيق النظر في اختيار الرسل ، وذاك أنه لما خلع الراشد الخليفة ببغداد فارقها وحضر إلى الموصل مستعدا بأتابك زنكي ، وخلا به ووعده ومناه أنه إن عاد إلى الخلافة أن يفعل معه ويصنع ، فتهوّس أتابك زنكي بذلك وضمن صلاح الحال مع السلطان مسعود ، ثم إن أتابك زنكي عزم على مراسلة الديوان ببغداد في هذا المعنى، فاختار للرسالة كمال الدين بن الشرزوري قاضي الموصل ، فأرسله ووصاه بالاحتجاج والمبالغة في تقرير أمر الراشد، ونقض ما أبرموه من خلافة المقتفي ، فتوجه كمال الدين إلى بغداد .

 

قال ابن الأثير صاحب التاريخ : حكي لي والدي قال : حكى لي كمال الدين المذكور قال : لما أحضرت بالديوان قيل لي : تبايع أمر المؤمنين ؟ فقلت : أمير المؤمنين عندنا بالموصل . وله في أعناق الخلق بيعة متقدمة ، قال : وطال الحديث في ذلك وعدت إلى منزلي ، فلما جاء الليل جاءتني عجوز سراً واجتمعت بي ، وأبلغتني رسالة من المقتفي مضمونها المعاتبة لي على ما قلت واستنزالي عنه ، فقلت ك غدا أخدم خدمة يظهر أثرها .

 

 

الرعية والحاكم والمحكوم

 

 

فلما كان الغد حضرت بالديوان وقيل لي في معنى البيعة ، فقلت : أنا رجل فقيه قاض ولا يجوز لي أن أبايع إلا بعد أن يثبت عندي خلع المتقدم ، فأحضروا الشهود فشهدوا عندي بفسق الراشد ، فقلت : هذا ثابت لا كلام فيه ، ولكن لا بد لنا في هذه الدعوى من نصيب ، لأن أمير المؤمنين المقتفي حصلت له خلافة الله في أرضه والسلطان ،فقد استراح ممن كان يقصده ، فنحن بأي شيء نرجع ؟

 

فُرفع الأمر إلى المقتفي فأمر أن يعطي أتابك زنكي صريفين ودرب هرون وحربي ملكا ، فبايعت المقتفي وعدت وقد حصل لي مال صالح وتحف وهدايا ، وما أدري والله من أي حالَيْه أعجب من فعله هذا وخيانته لمرسله وتسويد وجهه مع من استجار به ؟ فإنه لم يكن الفائدة من إرسال كمال الدين إلا تقوية أمر المقتفي ،وتأكيد خلع الراشد ، أم من حكايته عن نفسه مثل هذه الفعلة ؟

 

 

طالع الحلقة 32 :

 

لا ينبغي للحاكم أن يستمع لوشاية من بخيل ولا جبان 

 

 

كاتب وكتاب

* كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية)، للمؤلف محمد بن علي بن طباطبا (1260 – 1309 هجرية) ، يقع في 360 صفحة ،  نشر  دار صادر – بيروت ،مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق .

 

تواصل مع تراثنا 

 

اترك تعليقاً