الثقافة الإبليسية والخلاف بديل المشورة والنصيحة
تراثنا – كتب د . محمد بن إبراهيم الشيباني *:
لم نعد نسمع ، نقرأ ، نشاهد حين النقاش أو المحادثة بين الأطراف الاتفاق ، أو الخروج على شيىء يحمد فيه طرف من الأطراف ، ويشكر ، أويثنى عليه لأنه بصر ، دل ، تفرد برأي أو عمل ، أو معرفة ، تميز بها عن منافسيه ، أو محدثيه ، او من يطلب منه المشورة والراي أو المناصحة.
د. الشيباني
-
آفة المجتمعات العربية عدم الموضوعية والاعتدال وكأنهم يجتمعون ولسان حالهم ومقالهم يقول : لا تتفقوا ..!
-
اعطى الإسلام كل ذي حق حقه واعطى كل صاحب تخصص ورأي وتميز حقه من دون تعال عليه وإلا سادت الفوضى .
-
تورم مجتمعنا الصغير بكثرة صرف جل همه وطاقته في نقد الآخر ونسي نفسه حتى عشش الكبر والغرر في ذواتهم .
آفة المجتمعات العربية الفكرية عدم الموضوعية ، والاعتدال والإنصاف ، وكأنهم حين يجتمعون يقول لسان حالهم ومقالهم اختلفوا ولا تتفقوا ، وليظهر كل واحد منكم دخيلة نفسه ، ونقد ذات الآخر ، وإفشال مشروعه وتخصصه .
علمنا قرآننا محاسبة أنفسنا ، ونقدها بتوبيخها ،وعدم تزكيتها ، لأن النفس أساساً تحب المدح والثناء والتزكية ، وكبح جماحها وترويضها على التواضع وعدم تزكيتها على حساب الآخر ، لأن أية نفس لا تتزكى من قبل صاحبها ، إلا وتكون على حساب الآخرين .
أعطى الإسلام كل ذي حق حقه ، ليس بالمال وحده فقط ، وإنما أعطى كذلك كل صاحب تخصص ورأي وتميز حقه ، من دون تعال عليه ، وإن لم يكن ذلك كذلك ، سادت الفوضى وضاع الجميع في خضم الجدليات ، وصار العالم بمثابة الجاهل ، والصغير مثل الكبير ، والمتخصص مثل غيره من غير المتخصصين ، وكأننا فتحنا على أنفسنا أبوب الإبليسية والشرور من دون أن نعي ذلك ، أو لأننا أردنا ذلك بسبب الفوضوية في مناقشاتنا ومحادثاتنا ، التي لا نخرج منها بأية إيجابية ، وإنما ذات على حساب ذات.
الفروق في المجتمعات بين الأفراد وتخصصاتهم واضحة المعالم ، لا تحتاج إلى مزيد تعريف في المجتمعات التي تحترم علمية الآخر وتخصصه .
ربنا يقول في كتابه : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الزمر – آية 9
كما حرم الإسلام التسوية بين المتقابلين ،وحرم التعميم ، كما يقول ذلك أهل العلم ، أكد استحالة ان يمتلك أحد الحقيقة المطلقة .
لقد تورم مجتمعنا الصغير ، بسبب كثرة من صرف جل همه وطاقته في نقد الآخر ، ونسى نفسه ، حتى عشش في ذاته الكبر والغرور ، وهاتان الصفتان لا تؤديان إلا إلى الجهل الناتج عن الاستغناء عن رأي ومشورة ونصيحة الآخر وإحترامها .
والله المستعان .
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا
نقلا عن تراثنا العدد 84
أنقر الغلاف لتفاصيل العدد