تراثنا – التحرير : ملابسات فتوى بن باز وإحتلال الكويت …بمناسبة حلول الثاني من أغسطس ذكرى العدوان الصدامي الغاشم عام 1990 على ارض الكويت وحكومتها وشعبها ، تستعيد تراثنا هذه الذكرى المريرة على النفس ،بما دار خلف الكواليس العلمية الفقهية من لغط شديد صاحب استقدام القوات المتعددة الجنسيات إلى السعودية لتحرير الكويت من العدوان .
وقد تصدى سماحة الشيخ مفتى عام المملكة العربية السعودية عبدالعزيز بن باز ” رحمة الله عليه ” لهذا اللغط بفتوى حسمت الرؤية و أوضحت شرعية صد العدوان وبيان أوجهها وابطال الالتباس الذي وقع .
وقد أذن سماحته لمركز المخطوطات والتراث والوثائق بطباعة الفتوى ضمن اصداراته التي نشرت عام 1994م لتكون وثيقة متاحة للاستفادة من معالجتها الشرعية للحدث واستدلالاتها التي بنت فتواها عليه.
-
بعض الناس حصل لديهم لبس واشتبهوا .. وظنوا أنها فتنة، الأولى فيها الاعتزال وعدم القتال مع هؤلاء وهؤلاء .
-
بن باز : أما وقد ظهر الحق وعُرف فيه الحق من الباطل والظالم من المظلوم فالواجب أن ينصر المظلوم وردع الظالم .
-
النصر يتحقق بالجهاد لله وليس مراءاة واداء الحقوق والكف عن المعاصي قولاً وعملاً والصبر على قضائه .
-
استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفار بعد موت عمه ..وباليهود بعد فتح خيبر .. وبمشرك للاستدلال على الطريق إلى المدينة.
وقد فصَل فضيلة الشيخ بن باز ” يرحمه الله ” في فتواه بمقدمة طويلة دعا فيها الى تقوى الله تعالى في الشدة والرخاء مستحضراً الآيات الدالة على ذلك ، حتي يتضح أهل الايمان والتقوى من أهل النفاق والزيغ ..والصابرون المجاهدون من غيرهم .
واستذكر قوله تعالى ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) منوهاً إلى أن المقصود بالفتن في الآيات هو الاختبار والامتحان،ليتبين بعد الامتحان الصادقون من الكاذبين .
وعرج الى أسباب الفتوى بالقول:” في الحادي عشر من المحرم السنة الهجرية 1411 هجري الثاني من اغسطس من الشهور الميلادية 1990 ميلادية ، جرى ما جرى من عدوان حاكم العراق على دولة الكويت المجاورة له واجتاحها بجيوشه المدمرة الظالمة …”.
الامتحان والابتلاء
وقال :” فالامتحان يفيد المؤمنين والعقلاء و يجب حساب النفس وجهادها ..ومتى استقام العباد على الحق ، وأصلحوا أنفسهم ، وجاهدوها لله ، وبذلوا المستطاع في نصر الحق ، يسر الله أمورهم ، ونصرهم على عدوهم كما قال تعالى جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) .
الاستخلاف في الارض
واعتبر سماحته الصدق مع الله محققاً للإستخلاف في الأرض: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) .
وارجع الاستخلاف في الاية :” بسبب إيمانهم الصادق وعملهم الصالح يستخلفون في الأرض ويمكن الله لهم دينهم ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً ..
ودعا الى الصبر والثبات على الحق والاستقامة عليه لتحقيق النصر ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).
لزوم اسباب النصر
واستفاض سماحته في فتواه معدداً أسباب النصر مشدداً عليها ، مطالبا لزومها و أهمها “: بتصرف” :
• صبر على طاعة الله بالجهاد وأداء الحقوق .
• وصبر عن معاصي الله بالكف عن ما حرم الله قولاً وعملاً.
• ونوع ثالث هو : الصبر على قضاء الله وقدره ، مما يصيب الناس من جراح أو قتل أو مرض أو غير ذلك ، لا بد من الصبر وتعاطي أسباب النصر ، وأسباب العافية.
• و حذر من التكبر والمراءاة ، بل يجب على المؤمنين في جهادهم لعدوهم الإخلاص لله والصدق والتواضع له وسؤاله النصر جل وعلا .
• التحذير من الصد عن سبيل الله ، وهو من صفة أعداء الله ، فهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً..
التفريق بين الاشتباه وظهور الحق
ونوه سماحته إلى ان العدوان العراقي على الكويت قد اُشتبه فيها الأمر على بعض الناس : إذ ظن بعض الناس أن الأولى فيها الاعتزال وعدم القتال مع هؤلاء وهؤلاء ” منوهين إلى الفتنة الأولى التي وقعت بين أهل الشام وأهل العراق بعد مقتل عثمان رضي الله عنه..وذكر” تفاصيل الفتنة ” .
وقال : هذه الفتن التي تُشتبه ، ولا يتضح للمؤمن فيها الحق من الباطل ، هي التي يشرع البعد عنها وعدم الدخول فيها .و بيَن قائلا : أما ما ظهر فيه الحق ، وعُرف فيه الحق من الباطل ، والظالم من المظلوم ، فالواجب أن ينصر المظلوم ويردع الظالم .
الاستنصار بغير المسلمين
وعن الاستنصار بقوى غير مسلمة أوضح في فتواه : ولعظم الأمر و خطورته اضطرت المملكة العربية السعودية إلى الاستنصار بالجنسيات المتعددة من الدول الإسلامية وغيرها …ثم ضرب الشيخ أمثلة على استعانة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
• لقد أستعان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق بالمُطعم بن عدي لما مات أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم و كان كافراً وحماه من قومه ، لما كان له من شهرة و قوة و شعبية ….
• وهكذا عندما احتاج إلى دليل يدله على طريق المدينة أستأجر شخصاً من الوثنيين ليدله الى المدينة ، لما أمنه على هذا الأمر .
• ولما احتاج إلى اليهود بعد فتح خيبر ولاهم نخيلها وزرعها بالنصف ، يزرعونها للمسلمين ، والمسلمون مشغولون بالجهاد لمصلحة المسلمين ، ومعلوم عداوة اليهود للمسلمين ، فلما أمنهم ولاهم على نخيل خيبر وزروعها .
الفتوي : لا حرج لدفع الخطر
مضى قائلا : و لهذا درست هيأة كبار العلماء هذا الحدث وتأملوه من جميع الوجوه و قرروا أنه لا حرج فيما فعلت الدولة من هذا الاستنصار للضرورة إليه وشدة الحاجة إلى إعانتهم للمسلمين وللخطر العظيم الذي يهدد البلاد لو استمر هذا الظالم في غشمه واجتياحه للبلاد …
دحر العدوان وعودة الوطن
وكان لهذه الوقفة من هيأة كبار العلماء – بفضل الله – عودة الكثير عن مواقفهم المتلبسة ، ودحر العدوان العراقي وجيوشه الجرارة ، وتطهير أرض الكويت وتحريرها، وعودة الشرعية ومئات ألوف المواطنين المشردين بين البلدان المجاورة ،وتوقف عمليات القتل والسحل في الشوارع ، والشنق على أعمدة النور، وعودة بعض الأسرى من السجون العراقية واختفاء المئات في غياهب سجون مجهولة في بغداد لم يعرف مصيرهم إلى الآن.
تابعنا هنا
اشترك في ايميل خدمة تلقي الاخبار المجاني هنا
ما تنشره الروابط لا تمثل بالضرورة رأي تراثنا
رابط كتاب ” عدوان حاكم العراق “