الحلقة الخامسة
قضاء الوقت عند البدو
تراثنا – بقلم المؤرخ صالح هواش المسلط :
لأهل البادية فنونهم وتراثهم وآدابهم ، تنوعت وتعددت ، بتنوع المواقع التي سكنوها في الفيافي والصحاري ،وأخذت هذه المظاهر بالتلاشي في القرن العشرين ، بتوقف الغزوات والكر والفر ، والاتجاه إلى الاستقرار في المدن ،فلم يبقى غير التعيش على فنون الماضي وذكرياته ( حلقات الدراسة) .
-
يترقب أبناء القبيلة نزول ضيف بشيخهم ليكونوا مدعوون بالبداهة على وجبة الشاة المذبوحة له.
-
يتناول المُضيف اللحم ويقطعه بيده للضيوف، ويُعد عمله من دلائل الكرم وحسن القرى والقرب للأكثر قدراً .
-
(صابون العرب لحاها) قول لا صحه له ،إذ كان أهل البادية يمسحون بإيديهم بعد الاكل بإهداب بيت الشعر .
يستأنف الباحث المؤرخ صالح المسلط الخبير في شؤون البادية حديثه عن آداب أهل الصحراء في تناول الطعام الذي قلما يتوفر ، حيث ينتهزون حلول ضيوف على شيخ القبيلة ليكون عيداً يتناولون فيه ما لذ وطاب من اللحوم وطيب الأطاعم ، وفي الحلفة ( الخامسة ) يقول في هذا الشأن :
لا خمور في البادية
والخمور لا أثر بها في البادية ، هذا ولشظف العيش عندهم ، يعدون في الأعياد اليوم الذي ينزل على شيخهم ضيف يجب أن ينُحر له شاة ، فإنهم في تلك الوجبة مدعوون كلهم بالبداهة .
سواعد مشمرة
فيتسلون من كل حدب ، ويصطفون داخل بيت الشيخ ، وعندها يأكلون اللحم ، وترى وقتئذ السواعد مشمرة ، والأيدي ممتدة تمزق اللحم ، وتضغط على الرز أو البرغل ضغطاً يسيل على سواعدهم .
ويقلبون هذه اللقم الضخمة في الأكف ، ويعصرونها ويكورونها ، ثم يقذفونها في الحلق ، دون مضغ وبسرعة خاطفة ، ثم يتناولون إناء الشنينة ويضعونه على فمهم ويشربون .
جاثمون على ركبة واحدة
وهكذا بينما الأيدي المديدة ، صاعدة هابطة ، تسمع عندها تمزيق اللحم عن العظم وقرقعته ، والقوم إذ ذاك حول المنسف يتزاحمون بالمناب ، جاثمون على ركبة واحدة لتتسع دائرة المنسف أكبر عدد منهم .
وكلما شبع فوج تلاه فوج أصغر قدراً ، إلى أن يأتي دور الصبيان ، وفي أقل زمن ممكن وأسرعه ، يصبح المنسف في خبر كان !!
دلائل الكرم
ومن عادة المضيف أن يتناول اللحم ، ويقطعه بيده ، ويقدمه لضيوفه ، ويُعد عمله هذا من دلائل الكرم وحسن القرى ، ومن أصول الطعام في البادية أنهم يسكبون المرق على الطعام كلما قل المرق عنه ، وذلك ليسيغونه هنيئاً مريئاً .
صابون العرب لحاها !
وإذا طلبوا المرق ، نادوا : ( اللًّيان يا عيال ) ، بتشديد اللام الثانية ، من لَّيان ، كأنهم ينحتونه من الليونة ، وإذا شبع أحدهم قام يلحس أصابعه ، وبعض البدو يمسحون أصابعهم وأفواههم بأهداب البيت من جهة العامر ، وذلك لندرة الماء والصابون .
ويُعرف القسم الذي يمسحون به أيديهم بالرفه ، ولا يمسحون بلحاهم كما قيل ، وقول بعضهم ( صابون العرب لحاها ) يستعمل للهزل فقط .
عظمة ببقية لحم
وإذا كان هناك رجال لم يتح لهم الجلوس على المنسف لعدم وجود محل فإن بعض متناولي الطعام ينضخونهم بعظمة عليها بقية من اللحم ، يتلهون بها حتى يأتيهم الدور ، ومن عادتهم أن لا يقوم أحد عن الطعام ، قبل أن يشبع الجميع ، فهم يقومون عن الطعام سوية .
يتبع لاحقا ..
مصادر صور :
- عربي 21
- الاقتصادية
- ارشيف تراثنا
الحلقة الرابعة ( السابقة ) : قضاء الوقت عند البدو